مارتن وحيداً في الغرفة. يرسم شيئاً في ورقة على الطاولة. مقابله خريطة طوبوغرافية للحرب. ينظر مارتن مرّة بعد أخرى إلى الخارطة ويستمر في الرسم. في تلك اللحظة، يسمع قرعاً على الباب. يترك رسمته ويذهب ليفتح الباب.
مارتن (وراء الكواليس، بإخلاص): أوه، ملادين... تفضّل.
ملادين: قلتُ لن يكون من الجيد أن لا أمرّ بصديقي، وأنا أعبر قريبا من بيته.
مارتن: أنا مسرور جدّاً لرؤيتك.
ملادين: قبل كل شيء أخبرني كيفك؟
مارتن: إيه. ماذا أستطيع أن أقول؟! هناك أيام أكون فيها بخير، وأيام أكون فيها بحال سيئة.
ملادين: الأسوأ هو أن تكون متشائماً... من المهمّ أن تنظر إلى الأشياء بإيجابية.
مارتن: لا بد أنك قرأت تلك المجلّة التي قرأتها والدتي.
ملادين: وأين هي؟
مارتن: في الكنيسة... هل تريد بعضا من البيرة؟
ملادين: يللا... شكرا...
مارتن يذهب إلى المطبخ ويحضر بعض البيرة من الثلاجة.
ملادين: لم أصدّق عندما علمت بالأمر... إذا كنت بحاجة إلى شيء أعرف طبيباً... نستطيع أن نجمع بعض النقود إذا كنت تريد السفر إلى الخارج...إذا كانت الدولة التي قاتلنا لأجلها نسيتنا علينا على الأقل ألّا نتخلى عن بعض.
مارتن: شكراً لكن لا حاجة لذلك. حقّاً، الجميعُ قدّم أفضل ما لديه. الأطبّاء الممرضات، وعائلتك كيف هم؟ (يقدّم له البيرة).
ملادين: بخير... نادراً ما أرى ابنتي الكبيرة، دائماً في الجامعة... ابني يعزف... لديه فرقة موسيقية، اشتريت له غيتاراً آلياً. لذلك، فهو لا يتوقّف عن العزف. لكن الخبر الكبير هو أننا نتوقّع قدوم طفل جديد.
مارتن: تهانينا.
ملادين: بعد أربعة أشهر. إنه ولد... رأيناه في صورة الألتراساوند...
مارتن (يرفع علبة البيرة إلى الأعلى): دعنا نشرب في صحّة الوريث الجديد.
ملادين ومارتن يقرعان علبتي البيرة ببعضهما ويشربان.
ملادين (بإيقاع مختلف): سمعتُ أيضاً أنك أنت الآخر لديك بعض الخطط. حسناً، أنا أتكلّم عن... الزواج.
استراحة قصيرة.
مارتن ينظر إليه.
مارتن: إذن لقد جئت لأجل ذلك؟
ملادين: الشباب قلقون جدّاً بسبب ما تخطّط له.
مارتن (مكملاً تفكيره): آسف، لم أكن أعتقد أن عليَّ أخذ الإذن للزواج من قائدي السابق في الحرب.
ملادين: لا تكن غاضباً... آمل أنك تعرف أن الوضع في كرواتيا يجعل الجميع قلقاً.
مارتن: نعم أعرف... لكن من جهتي تستطيعون أن تناموا بسلام.
ملادين: هل أنت متأكّد أن تلك... العاهرة... لا تعرف شيئاً؟
مارتن: هل تعتقد بأنها سترغب بالحديث معي لو عرفت ذلك؟
ملادين: بيشتا أعلمني بأنك ستخبرها بالمكان الذي دفناه فيه.
مارتن: لن أخبرها، لكنها ستستلم رسالة مجهولة تجد فيهاً رسماً عن مكان القبر... (يريه الرسم الذي على الطاولة) هذا بالضبط ما أفعله الآن.
ملادين يتقدم إلى الطاولة وينظر في الرسم.
صمت.
ملادين: وتعتقد بأنها لن تربط بين سؤالك عن زواجها وبين هذه الرسالة المجهولة؟
مارتن: هذه لن تكون المرة الأولى، ذلك أن شخصاً ما أخبرها أنه يعرف أين هو قبر زوجها. لقد دفعت بالفعل مقابل ثلاثة إشعارات زائفة.
ملادين: لكن، كما أرى هذه المرة لن يكون زائفاً... (مشيراً نحو الرسم) لا أتذكّر هذه الشجيرات التي رسمتُها هنا.
مارتن: نَمَت مع الوقت... كنت هناك.
ملادين: متى؟
مارتن: قبل يومين.
ملادين يحدّق في مارتن.
مارتن: أردت أن أرسمه بأعلى دقّة ممكنة.
استراحة.
ملادين: ربما عندما تتلقّى تلك الرسالة، ستساعدها في استخراجه من هناك (ساخراً) حسناً، باعتبارك الزوج القادم والخطيب الحالي.
مارتن: ربما تعرف ولو قليلاً بأنني لست ذلك الشخص الذي يضع الآخرين في مأزق.
ملادين (مقترباً من مارتن): وأنا؟ ماذا عنّي؟ لم تفكّر بي...
مارتن: عندما قلت بأنني لن أعترف على أحد كنت أعنيك أيضاً.
ملادين: أوه لا... هذه في الحقيقة المشكلة؛ أنا لست واحداً من أولئك، لأنه حتى لو لم تعرف أنك الشخص الذي أرسل تلك الرسالة المجهولة، فالحقيقة التي سيجدونها عندما يجدون الجثّة هي الأدلّة ضدّي فقط.
مارتن: لماذا فقط ضدّك؟
ملادين: لأنني كنت القائد في تلك المنطقة. وبسبب تلك المسؤولية الغبية التي يتكلّم عنها الجميع، سأقع وحدي في الخراء. لكنني لست مجنوناً حتى أذهب إلى السجن بسبب ما فعلناه جميعاً.
مارتن: وما الذي تريده الآن؟
ملادين: جئت حتى أطلب منك أن لا تقترب من تلك القبور التي نما عليها ذلك العشب القديم. هذا كل ما في الأمر... ما هو شعور أبنائنا عندما يقرؤون في الجرائد أن آباءهم قتلوا "المدنيين الأبرياء"... نحن نعرف أن زوجها لم يكن بريئاً، لكن الآن كل الجرائد ستكتب هذا، الجميع أبرياء، وكأننا كنا نحارب ضد أطفال من الحضانة... أنا لن أذهب لأتعفن في لاهاي، بينما نحاول أن نخبر العالم بأننا نتحدّث عن جزّارين... بينما زوجتي تخرج من مستشفى الولادة.
مارتن (منهياً الحديث): حسناً إذا اتهموك، سأخبرهم بأني من قتله... أنا مريض، حتى لاهاي لا تستطيع فعل أي شيء معي... الأطباء يمنعون ذلك.
ملادين: جميعهم، أم فقط زوجها؟
استراحة قصيرة
مارتن: ماذا تعني... بجميعهم؟
ملادين: بالتأكيد... أتكلّم عن أولئك كلهم النائمين معه في القبر.
مارتن ينظر إليه مصدوماً.
ملادين: آمل أنك لا تعتقد أنه وحده في ذلك القبر؟
مارتن: المسيح؟!
ملادين: في اليوم التالي، بيشتا والأولاد سمعوا عن آخرين ذُبحوا مع زوجها... في ذلك المكان، كانت التربة مناسبة... تم وضعهم جميعهم هناك.
مارتن: كم عددهم؟
ملادين: لا أعرف... يجب أن نسأل بيشتا، اثنان أو ثلاثة... لماذا تنظر إليّ وكأنهم أبرياء؟ يا رجل هؤلاء الرجال أيديهم ملطّخة بالدم حتى المرافق... واحد منهم اغتصب فتاةً عمرها اثنا عشر عاماً، وماذا كنت أستطيع أن أفعل؟! هل كنت أستطيع أن أمنع والدها من قتله؟ كان سيقتلني لو حاولت منعه... وبالعموم، فإن زوجتك المستقبلية تعرف الكثيرين منّا... لو عرفت بشأنك فإنها لن تتوقّف هناك... ستبحث عنا.
مارتن: ما أعرفه أن تلك المرأة بريئة، هل تتذكّر ما أخبرنا به بعض الفلاحين، من أن زوجها كان يضربها باستمرار... لو حاولت تركه كان سيقتلها. وفي ذلك الوقت عندما كانت قصتها المأساوية في أوجها ظهرنا نحن (ساخراً) آسفون يا سيدة أنت فقط ضحية جانبية، أو أي كلمة علمية مناسبة! اللعنة عليك يا رجل سأغادر بعد شهر أو شهرين... وأريد أن أغادر إلى الحياة الآخرة ببطاقة رابحة. افهمها بهذه الطريقة التافهة إذا كنت لا تريد أن تفهم ببساطة أني أشعر بالعار حتى اليوم لما فعلناه. ضميري يعذّبني... في النهاية، ما هي مشكلتك يا رجل؟ نحن نخجل من أمّتنا، وأنا أريد فقط أن أقلّل من حجم ذلك الخجل. لا شيء آخر. في النهاية، ما أفعله هو من أجل أصدقائنا الذين قتلهم زوجها، والذين لا يشعرون بالفخر لما فعلناه باسمهم بحق امرأة بريئة.
استراحة قصيرة.
ملادين (هادئاً لكن قلقاً): إذا كنت تسألني أنا، فأصدّقك بأنك لن تتّهمنا. لكن الأخرين لن يصدّقوك أبداً... سيقولون إنك تغيرت بسبب مرضك.
مارتن: بسبب المرض؟
ملادين: الشباب يفكّرون بتلك الطريقة... خُذ بعين الاعتبار أنه سيكون معقّداً ومحفوفاً بالمخاطر فتح ذلك القبر. لذلك، اقترح الشباب أن يحلّوا الأمر بشكل غير مباشر.
مارتن: غير مباشر؟ ماذا تعني بغير مباشر؟
ملادين: ببساطة، لا أحد سيرغب بالسؤال لو وجد في الخلاء امرأة ميتة.
استراحة قصيرة.
مارتن ينظر إليه بذهول.
[يتبع]
* Mate Matišić كاتب كرواتي من مواليد 1965
** ترجمة عن الكرواتية أحلام بشارات وجوليا غالبينوفيتش
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (1-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (2-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (3-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (4-7)