بسبب الحب
تأخّرت القطارات السّريعة عن موعدها
والمكاتب عن فتح أبوابها في وجه المواطنين
تأخّر عمّال النظافة في حمل مكانسهم الطويلة
لإزالة أزبال الليل من طريق الأولاد الذاهبين
إلى المدرسة
تأخّر النّهار في أحذية العمّال
وتأخّرت المقاهي في فتح فمها الواسع
تأخّر الصحافيون في إطلالتهم الصباحيّة
حين عجزوا عن قول حقيقة ما جرى،
والوطن في مسابقة العالم الكبرى
فاحتلّ الرتبة الأخيرة.
بسبب الحب أحرق نيرون روما
فاختنق جيرانه بالدّخان، والدهشة
وهام قيس على وجهه في البريّة
يلفحه طيف ليلى، وتجلده قساوة العمّ، والقبيلة
حتّى إذا تعبَ توسّد الأحجارَ
وأطبق شفتين يابستين على القصيدة
فيما انفجر عنترة شعراً في وجوهنا
حدّ لا أحد يشكّ في أنّ قلبه أبيض
ورسبَ كثيرون في امتحانات أواسط العمر
ونجحوا في الخسارات بميزة مستحسن
عندما صفقوا الأبواب وراءهم
فلاذوا بالخلاء يلهجون بأسماء غريبة
وجرجر آخرون هشاشتهم الثخينة
إلى أقبية بأضواءٍ خافتة
حيث فتيات رشيقات كأعواد الخيزران
وبرميطات بملامح منتحرة إلى الأسفل
وهناك من يغنّي للأيام الخوالي
وللزجاجات الحمقاء النائمة في الثلاجات الاحتياطية
وراقنا جميعاً غمام العيون في المرآة
وضباب الأرجل على رصيف المساء
فأوغلنا في التلف إلى أن وجدنا أنفسنا في خلاء البئر المهجورة
وسط أسلاك صدئة
وبقايا زجاجٍ كثير
فانفضّ أفراد الأسرة من حولنا
حين فشلنا في العودة من الرحلة الكبرى،
سكنوا جميعاً شقق السّكن الاقتصادي
فصاروا بورجوازيين صغارًا بقوّة الخاطر
وقطط صغيرة،
وفطور الأحد في المركب التجاري
وأيضًا قساة، ولا أحد سأل عنّا صباح العيد.
بسبب الحب لمعت دموع في مآقينا
فجلسنا نهجم على بياض الحاسوب
ونكتب مشاعرنا الشفيفة
حتّى إذا جاء الصباح لففناها في قماط المجاز
وفوّتنا علينا فرصة العمر في أن نصبح عالميين
بضربة شمس.
بسبب الحب أدمنتُ أشباح الليل
وسكاكين الخيال الداعرة
وثرثرتُ في الهاتف لساعات طوال
كأميرٍ مهذّب
وقرأتُ فصول الروايات الحزينة
التي كانت المرأة هي البطلة الجميلة
التي تنتصر على البطل المغبون أنا الواقف وسط الركام
حيث بقايا عشاءٍ مطبوخ على عجل
وقميصٍ مرميّ فوق حذاء البطلة.
بسبب الحب نشبت حروبٌ كثيرة
وسالت دماءٌ ساخنة
ووقفنا برؤوس مطأطأة نقضم تفاحة الندم الفاسدة
وملأنا سجون الوطن بظلالنا الخفيضة
فاكتظت الزنازين
وكان منّا من ربط حزام السروال إلى سارية الحياة
وربط العنق إلى الحزام
وأنهى الحكاية.
* شاعر من المغرب