أحزاب الأجنحة تحاصر التقليدية قبيل انتخابات السويد: من التطرف إلى النسوية

27 اغسطس 2018
زعيم "البديل" يخطب أمام لوحة لوجهات ترحيل اللاجئين (إنترنت)
+ الخط -
تبرز في السويد، الذاهبة نحو انتخابات عامة في 9 سبتمبر/أيلول القادم، حالة قلق سياسي لم يشهدها هذا البلد منذ عقود؛ فثمة تراجع لأحزاب الوسط التقليدية في استطلاعات الرأي، وتحليلات المراقبين والخبراء داخليًا، وفي اسكندنافيا عمومًا، فيما يبرز، مقابل ذلك، التأرجح والتصويت الاحتجاجي لمصلحة ما يطلق عليه "أحزاب الأجنحة"، بشقيها اليساري واليميني المتشدد.

ومع توقع تراجع "يسار ويمين الوسط"، تتركز الأنظار على نشوء حالة جديدة قد تعقد المشهد التقليدي لتخلق ثلاثة معسكرات برلمانية؛ فمقابل تقدم متوقع لحزب "اليسار"؛ الشيوعي سابقا، وتوقع تخطي حزب "المبادرة النسوية" لعتبة 4 في المائة، يبرز حزب "البديل لأجل السويد"، المتطرف، بدعوة ترحيل جماعي للسويديين من أصل أجنبي، والانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

تكتلات أخرى

يتوقع المختصون والخبراء في السويد أن تُكسر الحلقة الحزبية التقليدية، المتمثلة بتكتلين حزبيين تصدّرا المشهد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويعزو هؤلاء ذلك إلى ما يجتاح أوروبا في مجال تنامي التصويت الاحتجاجي على "الإدارات التقليدية القائمة في الحياة السياسية الأوروبية"، وهو ما شهدته بالفعل عدد من دول القارة العجوز خلال الأعوام القليلة الماضية.

يتابع المراقبون، منذ صيف العام الحالي، الصعود السريع لحزب "ديمقراطيي السويد" المتجه لمضاعفة أصواته، إلى ما بين 22 إلى 23 في المائة، مقابل 13 في المائة خلال انتخابات 2014، كممثل لجناح التشدد القومي. وفي مقابل هذا التقدم، يبرز حزب "البديل لأجل السويد"، إذ يتوقع له بعض المراقبين دخول البرلمان، والتصويت لصالحه في المجالس المحلية.

ويدخل "البديل" في منافسة على التطرف القومي، على أمل تحقيق نتيجة أفضل من 2014 على وقع أزمة اللجوء في 2015. ويقدم نفسه لـ"تجهيز طائرات المغادرة لترحيل اللاجئين".

وفي الدعاية الانتخابية للبديل، لم يتردد زعيمه الشاب، غوستاف كاسلستراند، ذو الميول الفاشية الذي قاد حزب "ديمقراطيي السويد" سابقًا، بمخاطبة الجمهور في شمال السويد أمام ملصق ضخم يمثل شاشة المغادرة في المطارات، مع أوقات المغادرة ورقم الرحلة ووجهتها، من أفغانستان إلى سورية وإيران ودول أفريقيا إلى رومانيا، لترحيل نصف مليون إنسان خلال ساعات قليلة، وهي الصورة ذاتها المستخدمة على موقع الحزب الرسمي لجذب جمهور أكثر تشددًا من "ديمقراطيي السويد".

وبالنسبة ليمين الوسط، يشكل "البديل" و"ديمقراطيي السويد" حالة جديدة ناشئة، تضع تحالفهم المحافظ والليبرالي؛ المكون من أحزاب الليبراليين والديمقراطيين المسيحيين والاعتدال، في مأزق. فهو تحالف يرفض التعاون مع المتشددين من ناحية، وفي الناحية الأخرى ثمة خسارة في القاعدة البرلمانية لتشكيل حكومة جديدة. إضافة إلى ذلك، يتوقع أن يُحدث التقدم المتطرف شقوقًا في جدار يمين الوسط، بسبب رغبات وضغوط متعارضة لترك الباب مواربًا أمام التعاون مع "ديمقراطيي السويد"، لكسب دعم برلماني.

لا تبدو الصورة أفضل ليسار الوسط. فأكبر وأكثر الأحزاب تشكيلًا للحكومات، منذ عام 1917، "الاجتماعي الديمقراطي"، سيؤثر تراجعه على أحزاب اليسار التقليدي الداعمة له اليوم.

وفي المجمل، يرى المراقبون في السويد أن اليمين المتشدد استفاد كثيرًا من أخبار الانشغالات الأمنية والمجتمعية في قضايا المهاجرين والضواحي الأكثر عرضة للمشاكل الاجتماعية، وحرق السيارات مؤخرًا، وحرب العصابات، وقضايا العائدين من حروب منظمات إسلامية متشددة، ليعرض السويد وكأنها "على شفير هاوية" ليكسب بالتخويف المزيد من الشعبية.

أحد أهم خبراء السويد في مجال الانتخابات، البروفسور في جامعة غوتيبورغ، يوناس هانيوفورس، يرى في حديث مع تلفزيون بلده أن "السويد ستكون أمام فوضى سياسية، إن تحقق نشوء ثلاثة تكتلات سياسية برلمانية، ما سينتج عنه أزمة طويلة الأمد".

تفكير متطرف

من الملاحظ أن "البديل لأجل السويد" يعيش نشوة على أمل دخول البرلمان للمرة الأولى بناء على برنامج الترحيل الجماعي.

تقوم فكرة هذا الحزب على أن المتطرف الآخر، "ديمقراطيي السويد"، تحول إلى "حزب وسطي". وهي ظاهرة شبيهة بدول أوروبية أخرى شهدت تنافسًا لمعسكر التطرف على الناخبين؛ فزعيم "البديل"، غوستاف كاسلستراند، لا يبشر فقط بالعودة إلى "سويد نظيفة ومتجانسة عرقيًا" بعيدًا عن المهاجرين؛ عبر ترحيل "إجباري وجماعي" للأصول الأجنبية؛ بل لا يرى مشكلة "في المسائل اللوجستية للترحيل، فالشعب السويدي تاريخيًا كان شعبًا خلاقًا قادرًا على تحقيق مشاريع كبرى". ليس هذا فحسب؛ بل كالتيارات اليمينة الأخرى الصاعدة في أوروبا، يدعو إلى خروج السويد من الاتحاد الأوروبي وتحسين العلاقات مع الكرملين، كما يفعل أيضًا نظيره في التطرف "ديمقراطيي السويد".

نسوية أكثر

من بين الأحزاب الأخرى في الأجنحة، يبرز حزب "المبادرة النسوية"، الذي تمنحه الاستطلاعات فرصة تخطي حاجز 4 في المائة، على عكس انتخابات 2014، بواقع 3,12 في المائة.

وبالرغم من أن الأحزاب السويدية تقدم نفسها مؤيدة للنسوية فإنها "لم تأخذ الحركة النسوية بجدية. نعم قامت برفع خطاب النسوية، لكنها اعتبرته مجرد إضافة أيديولوجية، وبالنسبة لنا فإن النسوية هي المنطلق والفكر"، وفقًا لما تقول زعيمة هذا الحزب، والقائدة السابقة للحزب الشيوعي، غودرون شايمان.

تعتبر شايمان أن السويد "لا تزال تعاني من غياب المساواة الكاملة، رغم أن الحكومة اعتبرت نفسها الأولى عالميًا في مجال النسوية". وما يرغبه الحزب، من بين أمور أخرى، أن يجري "تنظيم وضع المرأة أكثر في القطاع الخاص بشكل أكثر فعالية مما هو قائم اليوم"، وفقًا لغودرون شايمان في خطبها الانتخابية، التي تركز أيضًا على ضرورة "تخصيص حصص لتعليم الأطفال منذ ارتيادهم رياض الأطفال حول أدوار الجنسين بغية تحقيق هدف المساواة التامة". يلقى خطاب شايمان آذانًا صاغية بين جمهور النسوية في السويد، ما يجعل أنظار اليسار عليه إن حقق دخول البرلمان، كأول حركة نسوية.

عمومًا، يذهب الخبراء والباحثون نحو منح أحزاب الأجنحة ما يقارب ثلث أصوات الناخبين السويديين، وهو تطور كبير في حياة هذا البلد الاسكندنافي الذي اعتاد على وجود منافسة بين تكتلي يمين ويسار الوسط. تطور يبدو أنه زاحف في عموم القارة الأوروبية واحتجاجي ضدّ القائم تقليديًا، إذ لم تعد اسكندنافيا استثناء في نموذجها الرافض لـ"التطرف"، أيًا كان لونه وفكره. ​

المساهمون