لن تقتصر المعارك التي ستشهدها بطولة كأس العالم 2014، على صراع المنتخبات الكبرى داخل المستطيل الأخضر وحسب، فالأنظار ستتركز أيضا على أسماء الشركات التي تصمم قمصان المنتخبات، وبينهم تدور معارك أكثر شراسة في الكواليس.
وفي مونديال البرازيل ستكتب صفحة جديدة في تاريخ الصراع الكلاسيكي بين شركتي "أديداس" و"نايكي" العملاقتين، حيث تطمح كل منهما الى اقتناص نصيب الأسد من الأرباح المادية، وتسيطر الشركتان على نسبة 80% من سوق الملابس الرياضية في العالم، بقيمة خمسة مليارات يورو سنويّا.
ولأول مرة في التاريخ، ستتفوق "نايكي" على "أديداس" في عدد المنتخبات التي ترعاها في مونديال البرازيل، إذ ترعى الشركة الأميركية 10 منتخبات، مقابل 9 لمنافستها الألمانية.
ورغم ذلك ستكون "أديداس" حاضرة بقوة في كل مباريات المونديال، لتصميمها الكرة الرسمية الخاصة بالبطولة، التي تحمل اسم "برازوكا"، كما أنها ترعى حاملة اللقب إسبانيا، بينما لم توفر "نايكي" الرعاية لبطل مونديالي منذ نسخة 2002 التي فاز بها "السيليساو".
وعلى أرض السامبا ترعى "أديداس" منتخبات إسبانيا والأرجنتين وكولومبيا وألمانيا والبوسنة واليابان والمكسيك ونيجيريا وروسيا، في المقابل ترعى "نايكي" البرازيل وأستراليا وإنجلترا وكرواتيا وفرنسا واليونان وهولندا والبرتغال وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية.
وتعهدت "نايكي" بالتفوق على "أديداس" في كرة القدم بفارق كبير خلال وقت قريب، بعد أن بلغت أرباحها السنوية في الرياضة الشعبية الأولى ملياري دولار، وتسعى لتجاوز أرباح كرة السلة التي تتخصص فيها منذ فترة طويلة.
وعلى صعيد أحذية كأس العالم، أطلقت "نايكي" موديلاً خاصاً سيرتديه في البطولة النجمان البرتغالي كريستيانو رونالدو، والإسباني أندريس إنييستا، ويقدر سعره بـ275 يورو، في المقابل طرحت "أديداس" موديلاً آخر متطوراً سيرتديه النجمان الأرجنتيني ليونيل ميسي، والأوروجوياني لويس سواريز.
وكشفت تقارير صحافية أن "أديداس" كانت أكثر إنفاقاً من أجل المونديال، إذ خصصت 175 مليون يورو تقريباً كميزانية للتسويق، أما "نايكي" فلم تخصص نصف هذا المبلغ، وتعد "أديداس" أحد الرعاة الرسميين لمونديال البرازيل نظير عقد قيمته 350 مليون دولار، وهي أحد الرعاة الرئيسيين منذ 1970 وستستمر رعايتها حتى 2030 لكل بطولات "فيفا" الدولية.
ويتيح ذلك لـ"أديداس" وضع اسمها على ملابس الحكام والمتطوعين في البطولة، وعلى اللوحات الإعلانية في مختلف الملاعب، كما تملك حقوق الدعاية الحصرية في أشهر شبكات التلفزيون الأميركية مثل "أي بي سي" و"إيي س بي أن".
أما "نايكي" فأمامها فرصة ذهبية في النسخة المقبلة لجمع عائدات طائلة من رعاية البطل المتوقع للمونديال، صاحب الأرض والجمهور منتخب البرازيل، الذي ينتمي للشركة الأميركية منذ سنوات طويلة.
وجددت "نايكي" عقد الرعاية مع الاتحاد البرازيلي حتى 2018 مقابل 114 مليون دولار، ويبلغ سعر قميص السيليساو 67 يورو، وباستعراض الجانب التاريخي في الصراع بين الشركتين العملاقتين نتطرق الى نشأة كل منهما:
"أديداس"
في عام 1920 إبان الحرب العالمية الأولى، كان أدولف دراسلر، الألماني يصنع في مطبخه أول حذاء رياضي بخامات فقيرة كانت المتاحة آنذاك، وكانت تلك نواة لشركة عملاقة ستحقق فيما بعد مبيعات بالمليارات.
توسع المشروع بشراكة أدي مع شقيقه رودي، وكلفا بتصنيع أحذية الرياضيين في أولمبياد 1928 ، لكن في أواخر الحرب تحول مصنعهما الى إنتاج الأسلحة المضادة للصواريخ، لينفصل أدي دراسلر، بمشروعه ويؤسس شركة "أديداس" المشتق اسمها من لقبه، واختار شعارها الخطوط المائلة.
الطريف أن شقيقه رودي، بعد الانفصال أنشأ شركة "بوما"، وهي حاليا المنافس الثالث بعد "أديداس" و"نايكي"، وانتشرت الماركة داخل ألمانيا في عقد الخمسينيات، واكتسبت صيتاً عالمياً بعد فوز منتخب ألمانيا بمونديال 1954 بمعجزة أمام المجر المرشحة الأولى بفضل الأحذية المدببة المضادة للأمطار، حيث كانت أفضل دعاية للشركة.
زاد توسع الشركة باشتراك منتجاتها في مختلف البطولات الكبرى، وتولى الدعاية لها نجوم في شتى الالعاب مثل أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي، والعداء جيسي أوينز، وتوفي دراسلر، عام 1978 وتولى ابنه هورست رئاسة الشركة، ليقتحم بشكل أكبر عالم التسويق والدعاية، وتصبح ما عليه "أديداس" الآن.
"نايكي"
أما نشأة "نايكي" فكانت أكثر عفوية، وبدأت حين سافر الشاب الأمريكي فيل نايت، المولع بالرياضة، الى اليابان في أواخر الخمسينيات، وأجرى مقابلة عمل في شركة "تايجر" الشهيرة بإنتاج الأحذية محلياً.
كان نايت، مندوباً عن شركة أمريكية "بلو ريبون سبورتس" التي ترغب في توزيع منتجاتها في القارة الآسيوية، وهنا تم الدمج، بعد تحقيق نجاح مبهر، قرر نايت الانفصال بشركته في منتصف الستينيات، وأطلق اسم "نايك" الذي يرمز الى آلهة النصر الإغريقية المعروفة بالقوة والسرعة واشتق شعار الشركة "علامة صح" من شكل جناحها.
وتولت كارولين دافدسون، مساعدة فيل وزوجته المستقبلية، تصميم الشعار نظير 35 دولار فقط في عام 1971.
الصراع
نشأت "أديداس" في العشرينيات قبل بدء مجال التسويق الرياضي، بينما تأسست "نايكي" عام 1968 وبرز نجاحها داخل الولايات المتحدة في الثمانينيات، خاصة بعد رعاية أسطورة كرة السلة مايكل جوردن، لتتحول المنافسة الى حرب بين الشركتين في التسعينيات، عندما انشغلت "نايكي" باستقطاب كبار نجوم كرة القدم، الحقل الذي كانت تركز فيه "أديداس" انتاجها.
وبدأت ملامح الحرب حين تعاقدت "نايكي" مع الاتحاد البرازيلي وقامت برعاية المنتخب الفائز بكأس العالم 1994 في الولايات المتحدة، واختارت له شعار "اللعب الجميل، ومع بداية الألفية الجديدة تقسمت خريطة العالم بين الشركتين، حيث سعت كلتاهما الى جمع أكبر قدر من المنتخبات.
لكن قبلها تجلى الصراع في المباراة النهائية لمونديال 1998 في فرنسا، حيث ارتدى أصحاب الأرض وأبطال النسخة زيّاً من "أديداس"، فيما ارتدى منتخب البرازيل الخاسر زي "نايكي" كالعادة.
وأشيعت قصة شهيرة في تلك الأثناء عن إجبار "نايكي" نجم إعلاناتها الأول رونالدو، ومدربه ماريو زجالو، وأعضاء الاتحاد، على إشراكه في النهائي رغم تعرضه لأزمة قلبية أو نوبة صرع، كما تباينت الأقاويل، في ليلة المباراة، وهو ما يفسر ظهوره كالشبح خلال النهائي، وخوضه المباراة كاملة رغم مرضه.
لكن "أديداس" كانت الرابح الأكبر في أمسية ستاد دو فرانس، خاصة أن البطل كان نجم إعلاناتها زين الدين زيدان، صاحب هدفين من ثلاثية نظيفة.
في المقابل دخلت الحرب فصلاً جديداً في 2005 لتنافس الشركتين للحصول على توقيع النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، بعد أن سطع اسمه عالميّاً، وبينما كانت "نايكي" هي الأقرب للتعاقد معه، حيث تعامل مع منتجاتها منذ كان ناشئاً، خطفت "أديداس" توقيعه مقابل مليون يورو سنويا آنذاك، ومن حينها صار أهم نجوم الشركة، ولم تتوازن الكفتان إلا بعد تعاقد "نايكي" مع غريمه النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو.
وتتفوق "نايكي" في عقر دارها، حيث تسيطر على 40% من السوق الأمريكية، مقابل 20% لـ"أديداس"، أما على صعيد الأرباح العالمية، فإن لـ"نايكي" الأفضلية بنسبة طفيفة تقدر بـ31% مقابل 28% لـ"أديداس".
وتتفوق "أديداس" في سوق كرة القدم نسبياً بـ35%، نظير 32% لـ"نايكي"، وتعد البرازيل مستضيفة المونديال، ثالث أكبر دولة مستهلكة لمنتجات "نايكي" بعد الولايات المتحدة والصين، مما يرفع أسهم الشركة لتحقيق أرباح قياسية هذا العام.
وفي كواليس تلك الحرب تجدر الإشارة الى وجود اتهامات للشركتين بعمالة الأطفال واستغلالهم خاصة في آسيا، حيث يفرض على القصر المساهمة في تصنيع 120 حذاء في الساعة الواحدة مقابل 1.25 يورو كأجرة يومية، بينما يزيد سعر الحذاء الواحد عن 100 يورو، وهم بذلك أكبر ضحايا الحرب.
ولطالما كانت أديداس مرتبطة بكرة القدم، لذا ضمت تحت كنفها أسماء كبيرة بحجم ديفيد بيكهام، وراؤول جونزاليس، ومايكل بالاك، واليساندرو ديل بييرو وباتريك فييرا وريكاردو كاكا. أما "نايكي" فامتازت بالتنوع في جذب أشهر الرياضيين في مختلف الألعاب، مثل رونالدينيو في كرة القدم، رافائيل نادال وروجيه فيدرير في التنس، تايجر وودز في الجولف، أسافا بويل في ألعاب القوى، تيم دونكان في كرة السلة.
ووجهت "نايكي" ضربة جديدة لـ"أديداس" في 2011 بعد انتزاع حق رعاية منتخب فرنسا، بعد 40 عاماً من التعاون المشترك، نظير عقد بـ300 مليون يورو، ليصبح العقد الأغلى على صعيد المنتخبات، في حين لم يعلن عن فائز بالحرب بين الشركتين، فكل منهما يتلقى الضربات ويوجهها الى الآخر، والأمر أشبه بمباراة ملاكمة لا تنتهي.