ووفقا لتلك الوثيقة الأمنية، التي نقلتها "بزنس انسايدر" وأيضاً وسائل إعلام أوروبية شمالية، فإن "المتطرفين البيض ذوي الميول العنفية ناقشوا أخيرا إمكانية استخدام فيروس كورونا ضد أعدائهم". ويبدو أن هؤلاء العنصريين ناقشوا الأمر "من باب الالتزام" بقيام أعضاء مصابين بالمساهمة في نشر الفيروس. ومن بين تلك الوسائل التي نوقشت في مجموعات مغلقة على برنامج التواصل "تيليغرام"، أن المستهدفين تحديدا هم "غير البيض".
وطرح هؤلاء في مناقشاتهم، وفق الوثيقة الأمنية الأميركية، خيارات عديدة، مثل ترك اللعاب على مقابض الأبواب في مكاتب محلية لضباط "إف.بي.آي"، والبصق على أزرار المصاعد في أحياء غير البيض، ووضع الفيروس في معلبات رش للقيام بنشر رذاذه في تلك الأحياء.
وكان التقرير الأمني لمكتب التحقيقات الفيدرالي تطرق إلى المخطط، بعد أن تنصت على مناقشات تلك المجموعات العنصرية من الحركة النازية الجديدة، باعتبار كورونا بمثابة "سلاح بيولوجي" يمكن استخدامه في عمليات إرهابية، ضمن فلسفة المتطرفين النازيين، وتعرف بعنوان "ثقافة الحصار" (siege culture)، والتي تدعو إلى إرهاب عنصري من أجل إشعال حروب أهلية، وهي ذات الثقافة التي ينشرها هؤلاء من أوسلو وكوبنهاغن وبرلين، إلى نيوزيلندا والولايات الأميركية.
تحذير في أوروبا
ولا يبدو أن مواجهة البشرية لجائحة كورونا ونزيف مجتمعات عديدة حول العالم يعنيان هؤلاء المتطرفين البيض على الإطلاق، ليس فقط في الولايات المتحدة فحسب.
ويستعيد العمل الإرهابي الذي شهدته هاناو الألمانية الشهر الماضي تلك الأهداف المرسومة، لقتل أكبر عدد ممكن من غير البيض (أصول غير أوروبية)، ومن ساسة اليسار في الدول الغربية، لخلق أجواء ارتباك والدفع بالمجتمعات إلى ما يؤمنون به من خلال حروب أهلية "تسقط الأنظمة الديمقراطية" ليتسنى لهم الوصول إلى الحكم.
وفي السياق، نشر جهاز الاستخبارات الدنماركي (بيت)، الأسبوع الماضي، تقريره السنوي، مقدرا مخاطر الإرهاب اليميني المتطرف بدرجة عالية وجدية، وإن لم يستثن مصادر إرهاب من جماعات أخرى. ورأى القائمون على التقرير، الذي أعده "مركز تحليل الإرهاب" (CTA)، التابع لجهاز الاستخبارات العامة وجهاز الاستخبارات العسكرية (إف إي)، أن تقييمهم للتهديد الإرهابي من المتطرفين اليمينيين، وبالأخص مجموعات فاشية ونازية جديدة تعمل بشكل منسق في اسكندينافيا وألمانيا، هو أنه "تهديد رئيس منذ ربيع العام الماضي".
ورفع المركز درجة التهديد من "محصورة" إلى "عامة"، بعد قيامه بتحليل عدد من الهجمات الإرهابية البيضاء في دول غربية مختلفة، وأن ما يجمع بينها أنها تنشط في العموم في منتديات خاصة بها على شبكة الإنترنت.
ويجيء التقييم الاستخباراتي الدنماركي الجديد ليبرز بشكل أساسي العمل الإرهابي الذي شهدته بلدة كرايستشيرش في نيوزيلندا قبل نحو عام، حيث قام الإرهابي برينتون تارانت بقتل 51 شخصا في استهداف مسجدين ومارة من أصول مهاجرة، "ومثل ذلك الهجوم يمكن أيضا أن يقع في الدنمارك"، بحسب ما استنتجه التقرير الذي يقع في 28 صفحة وحصل "العربي الجديد" على نسخة منه.
والمثير في زمن كورونا أن مدير مركز تحليل الإرهاب في كوبنهاغن، أندرس هينركسن، لم يتردد في تقييمه لخطورة هذه البيئة الإرهابية الفاشية، فـ"التقييم الواقعي لهجمات الإرهاب اليميني المتطرف في الدنمارك يمكن أن يكون أكثر من خلال هجمات إرهابية منفردة (مستخدما تعبيرا دنماركيا سولوتيروريست soloterrorist)، أو من خلال مجموعة صغيرة موجودة على هامش أو خارج تلك البيئة اليمينية المتطرفة". ويبدو من التقييم الأمني أن منتديات الإنترنت صارت تشكل قاعدة مهمة لهؤلاء المتشددين، لنشر البروباغندا التحريضية على أعمال إرهابية تستهدف غير البيض.
ورأى معدو التقرير أن "إرهاب الجناح اليساري المتطرف يبقى تقييمه على أنه منحصر"، هذا إلى جانب بقاء تقييمه لخطر إرهاب مجموعات إسلامية متشددة قائما، ما يؤشر إلى أن المرحلة التي تشهدها الدول الغربية هي أكثر وعيا وتركيزا على البيئات النازية والفاشية في أكثر من دولة. ولا يرى مقيّمو الهجمات الإرهابية أن وباء كورونا "والتدابير الإلزامية لوقف انتشاره ستحد من التهديد الإرهابي".
تركيز أكثر على الإرهاب الأبيض
وكان جهاز الاستخبارات النرويجية (بي.آس.تي) قدّر أيضا، في فبراير/شباط الماضي، أن "أوروبا تواجه خطرا إرهابا يمينيا متشددا". واعتبر الجهاز النرويجي، بعد التنسيق "عالي المستوى مع الأجهزة الأوروبية"، أن القارة فعليا تواجه مخاطر هجمات شبيهة بتلك التي حدثت في هاناو الألمانية. ويقيّم الجهاز الأمني النرويجي تلك المخاطر في بلده بـ"درجة عالية"، إذ "يلاحظ أن اليمين المتشدد في القارة بات عابرا للحدود، والنرويجي منه بات يشارك ويتواصل مع العديد من الحركات في أوروبا، وهؤلاء جميعا يستخدمون ذات البروباغندا، الشبيهة ببروباغندا الحركات الإسلامية المتطرفة". واعتبر الجهاز أيضا أنه بينما شهد العالم 7 هجمات إرهابية في 2018، فإن العام الماضي 2019 شهد 19 هجوما.
ولا يخفي مدير الأبحاث في أكاديمية الدفاع في استوكهولم، ماغنوس رانستروب، أن "التطرف اليميني عمليا في أوج تقدمه في أوروبا".
ويشير رانستروب في معرض تعقيبه على التقارير الأمنية الغربية في الاتجاه المتعلق بالإرهاب الأبيض، بأن "كل أجهزة الاستخبارات في أوروبا مهتمة بشكل كبير بهذا اليمين المتطرف، ولديها أسباب جيدة للتركيز عليه، ويمكننا توقع المزيد من الهجمات ضد المساجد والمهاجرين". يذكر أنه منذ العامين الماضيين، أي منذ 2018، باتت الأجهزة الأمنية في الدول الأوروبية تولي اهتماما لعمليات التنظيم والتحريض والاجتماعات التي تجريها البيئة اليمينية المتطرفة، وبالأخص علاقة متطرفي دول الشمال البينية مع الحركة النازية الجديدة في ألمانيا، والتي تتفرع منها مجموعات مختلفة يصب معظمها في نهاية المطاف في نهر التعاطف مع هذا النوع من الإرهاب المتصاعد والمتخذ منحى "إنقاذياً" للبيض، على خلفية كتابات وبروباغندا يساهم في إعدادها باحثون وكتاب معروفون في القارة الأوروبية.
ويذكر مدير البحوث في "المركز الوطني للوقاية من التطرف" في كوبنهاغن كريس لارسن، في برنامج إذاعي للقناة الرسمية الدنماركية، بشأن تطور هذا النوع من الإرهاب والتعاطف معه، أن "المقلق في ما يجري هو استلهام البعض للقيام بعمليات إرهابية فردية".
ويعتبر لارسن أن تلك الحركات المتطرفة خطيرة الآن، لأنها انتقلت من تظاهرات في الشارع إلى العالم الافتراضي، فـ"هؤلاء يستخدمون منصات الإنترنت الآن لبث مانيفست إبادة أعراق بشرية وتدمير التعددية الثقافية في مجتمعات الغرب، ومن الواضح أن الاهتمام الشعبي بهذه المجموعات وخطابها يتزايد، كونها تجري في عالم افتراضي على الشبكة، وهو ما أسميه التطرف الرقمي، وخطورته تكمن في أنك ربما تكون أمام شاب يبدو عاديا، لكنه يمر بمرحلة تطرف عبر الشبكة دون أن يلاحظ أحد ذلك".