فشل اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية، والتي تضم 17 دولة بينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي، في التوصل إلى نتائج عملية من الممكن أن تسهم في العودة إلى مفاوضات السلام المتعثرة في جنيف، للتوصل إلى حل سياسي يتضمن انتقال السلطة إلى هيئة حكم انتقالية من دون وجود رئيس النظام بشار الأسد، كما تطالب المعارضة استناداً إلى القرارات الدولية.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في ختام الاجتماع الذي عُقد أمس في العاصمة النمساوية فيينا، أنه تم "الاتفاق على زيادة المساعدات، ووضع جدول زمني للانتقال السياسي"، مشيراً إلى وجود تعهد بالعمل على وقف شامل لإطلاق النار، وإلزام جميع الأطراف به. وجاء كلام كيري خلال مؤتمر صحافي مشترك جمعه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والمبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا في العاصمة النمساوية فيينا. وشدد كيري على أن "الأول من أغسطس/ آب المقبل، سيكون هدفاً لبدء المرحلة الانتقالية في سورية، وليس مهلة نهائية"، مضيفاً أنه "سيتم إقصاء الأطراف التي ستخرق الهدنة عن محادثات جنيف". وحول مسألة المساعدات الإنسانية، أوضح كيري أنه في حال منع وصول المساعدات، فإن المجتمعين اتفقوا على إقامة جسر جوي لإيصال المساعدات إلى المناطق المحتاجة.
من جهته، رأى لافروف أن "هناك تقدماً على كافة مسارات التسوية السورية"، مضيفاً: "أعتقد أن أهم النتائج هي التأكيد الكامل من دون أي حذف لتلك القاعدة التي يستند إليها عملنا، وهي البيان المشترك للمجموعة الدولية لدعم سورية، وقرارات مجلس الأمن الدولي 2218 و2256 و2268". وبيّن أن "روسيا ستراقب التزام دمشق بنظام وقف إطلاق النار"، مضيفاً: "تعهدنا في بيان 9 مايو/ أيار، وتم التأكيد على ذلك اليوم، بأننا سنعمل بنشاط أكبر مع الحكومة السورية حتى تراقب الالتزام بتعهداتها". وأعلن لافروف أن موسكو لا تدعم الأسد بل "تدعم القتال ضد الإرهاب، وعلى الأرض لا نرى أي قوة حقيقية أكثر وأكثر فعالية من الجيش السوري رغم جميع نقاط ضعفه".
أما دي ميستورا فأعلن أن القوى الكبرى فشلت في الاتفاق على موعد جديد لمفاوضات السلام، مضيفاً: "القضية لا تزال بانتظار نتيجة ملموسة ما، لكن لا يمكننا الانتظار طويلاً ونريد أن نحافظ على الزخم". لكن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، كشف أن القوى الكبرى اتفقت على الدفع باتجاه استئناف المفاوضات السورية في جنيف بحلول بداية يونيو/ حزيران المقبل إذا أمكن ذلك. وأضاف للصحافيين في فيينا: "يبقى الهدف هو العملية السياسية. نريد من دي ميستورا أن يجمع المفاوضين في أقرب وقت ممكن، وحددنا لأنفسنا هدفاً وهو بداية يونيو/ حزيران إن أمكن".
فيما كان اللافت إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد الاجتماع، أنه سيكون من الضروري البحث في البدائل إذا لم يمتثل الأسد لمحاولات التوصل لهدنة في عموم البلاد. وقال الجبير إن المملكة تعتقد أنه كان ينبغي الانتقال إلى خطة بديلة منذ فترة طويلة. وأضاف أن "خيار الانتقال لخطة بديلة وخيار تكثيف الدعم العسكري للمعارضة بيد نظام الأسد وأنه إذا لم يستجب لاتفاقات المجتمع الدولي فسيتعين حينها دراسة ما يمكن عمله".
أما وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، فقد عبّر عن عزم القوى الكبرى زيادة الدعم الإنساني في سورية، عبر إلقاء المساعدات من الجو، لتحسين الوضع الإنساني في سورية، وفق قوله.
فيما قالت المجموعة الدولية في بيان إنه "عندما يجد قادة المجموعة أي طرف من أطراف وقف القتال يرتكب سلوكاً متكرراً من عدم الالتزام، فإن مجموعة العمل يمكن أن تحيل مثل هذا السلوك إلى وزراء المجموعة أو إلى من يكلفهم الوزراء لتقرير ما يتعين اتخاذه من إجراء مناسب بما في ذلك استثناء مثل هذه الأطراف من ترتيبات وقف (القتال) والحماية التي تكفلها".
هذا الفشل لم يكن مفاجئاً للمعارضة السورية، في ظل إصرار النظام على عدم الدخول في جوهر التفاوض وهو تحقيق انتقال سياسي في البلاد. وأكد رئيس وفد المعارضة المفاوض أسعد الزعبي، "لـ"العربي الجديد"، أن المعارضة لم تكن تعوّل أساساً على هذا الاجتماع لجهة إحداث اختراق سياسي مهم، وأضاف: "كالعادة لا يعرف كيري ماذا يقول ولا على ماذا يعتمد". وأبدى الزعبي عدم ثقته بوزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة، راعيتي التفاوض بين المعارضة والنظام، مشيراً إلى أن كيري "يحمل دائما في جعبته الوعود الكبيرة للمعارضة ولكن سرعان ما نكتشف أنها ليست كذلك".
من جهته، قال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة رياض نعسان آغا، تعليقاً على نتائج اجتماع فيينا: "ننتظر ما سيحدث على الأرض"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد": "التصريحات التي أعقبت الاجتماع من وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة تبدو مجرد أمنيات". وحول عودة المعارضة إلى طاولة التفاوض توقع نعسان آغا أن تجتمع الهيئة العليا للمفاوضات لمناقشة الوضع، وبناء عليه تتخذ قرارها. وكانت المعارضة السورية قد علقت مشاركتها في مفاوضات جنيف في الثامن عشر من الشهر الفائت احتجاجاً على خروقات النظام المستمرة للهدنة وعدم تحقيق تقدم جدي في الملف الإنساني، خصوصاً لجهة فك الحصار عن مناطق تحاصرها قوات النظام، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية العاجلة، وإطلاق المعتقلين كما نص القرار الدولي 2254. وأشارت مصادر في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد" إلى أن الوعود والتطمينات الأميركية للمعارضة السورية "فارغة"، مضيفة: "خبرناها جيداً طيلة سنوات الثورة"، لافتة إلى أنه "لا ضوء في نهاية النفق المظلم" الذي أدخل نظام الأسد البلاد فيه بسبب تمسكه بالسلطة وارتكابه المجازر بحق المدنيين في سبيل ذلك.
وبدأت المعارضة السورية في الآونة الاخيرة تعلن عدم ثقتها بالإدارة الأميركية التي تبدو اليوم "عاجزة أو غير مستعدة للتصدي للعداء المتزايد من قبل روسيا"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسي أوروبي. كما نقلت الوكالة عن دبلوماسيين غربيين شعور الأوروبيين بالإحباط بسبب تهميشهم في إيجاد حل سياسي في سورية ينهي سنوات من الحرب التي يشنها النظام على المعارضة وأدت إلى مقتل وتشريد ملايين السوريين، وجعلت بلادهم عرضة للتفتت.
وقال دبلوماسي بارز في الأمم المتحدة في تصريح صحافي، إن الأوروبيين "يميلون للشك كثيرا بشأن ثنائية أميركا-روسيا". كما رجح مراقبون أن تكون واشنطن فقدت إلى حد ما القدرة للتأثير على موسكو، بعدما أحجمت عن تنفيذ تهديد الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2013 بمعاقبة الأسد؛ بسبب استخدامه أسلحة كيميائية في منتصف عام 2013، ما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين جلهم أطفال في محيط دمشق.
وكان رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أنس العبدة، قد أكد الأحد أن "هناك محاولات ابتزاز عسكري وسياسي من أجل تطويع الثورة السورية للقبول ببشار الأسد، وكل الطغمة الحاكمة والمؤسسة الأمنية والعسكرية في مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم ودون مدى زمني لها". وأشار في كلمة له في افتتاح تجمع فلسطيني سوري معارض في غازي عنتاب التركية، إلى أن "هناك أيضاً تآمراً على التمثيل الحقيقي للشعب السوري باختراع أطر وتشكيلات من صناعة أجهزة المخابرات الأسدية، وأخرى دولية تحاول تغييب جوهر الصراع بين أغلبية شعب سورية المنكوب من نظام تسلطي إرهابي، نحو صراع استئصالي مجاني بين قوى الثورة"، وفق العبدة.
وتحاول روسيا وإيران "تعويم" معارضات سورية مرتبطة بهما وتقبل برؤيتهما للحل في سورية، تنافس الهيئة العليا للمفاوضات على أنها الممثل الوحيد للثورة والمعارضة السورية. ويرى عضو اللجنة الاستشارية لوفد المعارضة المفاوض يحيى العريضي، أنه من الممكن انعقاد جولة رابعة من مفاوضات السلام في جنيف، مضيفاً: "لكن التفاوض سيبقى في مهب التوقف والتأجيل كما حدث في الجولة السابقة وللأسباب نفسها"، لافتاً إلى أن جميع القوى الدولية والإقليمية ذات العلاقة بالملف السوري "مأزومة" في الوقت الراهن، مضيفاً: "مصالحها متناقضة بالعمق، حتى وإن بدت متماهية من حيث الشكل".
ويشير العريضي في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "التناغم الأميركي الروسي" بما يخص القضية السورية "غير واضح المعالم"، مردفاً: "هناك لا مبالاة أميركية، وعدم اهتمام، ومحاولة لاحتكار الملف السوري وتحييد الأطراف الأخرى من قبل موسكو وواشنطن، ما ولّد امتعاضاً أوروبياً بدأ يطفو على السطح من خلال تصريحات مسؤولين غربيين". ويلفت إلى أن النظام وحلفاءه الإيرانيين والروس يحشدون في أكثر من موقع في سورية استعداداً للدخول في معارك جديدة، وفي المقابل تعمل الدول الداعمة للمعارضة السورية على مساعدتها ومدها بالسلاح، ما يدفع بالفعل لاستئناف التفاوض مرة أخرى.
ويرى العريضي أن العودة إلى جنيف مرتبطة بتحسن الشروط الإنسانية والسياسية والعسكرية، مضيفاً: "لا بد من تحقيق تقدّم حقيقي وجدي على صعيد فك الحصار عن مدن وبلدات محاصرة من قبل قوات النظام ومليشيات طائفية تساندها، وإدخال مساعدات إنسانية، وإطلاق معتقلين من سجون النظام، والضغط على النظام للدخول في صلب التفاوض للوصول لحل سياسي، وتفعيل الهدنة من خلال إيقاف القصف على المدنيين من قبل طيران النظام، والمقاتلات الروسية"، لافتاً إلى الطيران الروسي ارتكب مجزرة غرب دمشق في الوقت الذي بدأت فيه اجتماعات المجموعة الدولية في فيينا.