"هل يمكن لمدن يتم فيها قتل العصافير لإسكات جوع البطون أن تبقى صامدة؟"، سؤال يراودنا ونحن نلمح من خلال كاميرا المخرج الفلسطيني السوري محمد نور أحمد (أبو غابي) مخرج فيلم "أنا أزرق"، والذي فاز أخيراً بجائزة الصقر الذهبي في المهرجان الدولي لفيلم الهواة الذي أقيم في تونس.
كيف يرحل أبناء مخيم اليرموك في دمشق عن مخيمهم، من دون أن يتاح لهم إبداء مشاعر الأسف على هذا الرحيل؟ ففي لحظة خلت فيها جميع العصافير التي كانت تزقزق بين أغصان الأشجار، بعدما تم قتلها ليستعاض بلحمها عن الخبز الذي اختفى تماماً من المخيم، يأتي عبور سيارة الإسعاف على عجل من أمام خطوات متعبة لأناس حائرين لا يعلمون إلى أين تؤدي بهم خطوات الرحيل هذه، ليشير إلى أن ثمة مأساة أكبر لم نلحظها بعد في رحم هذا المخيم، وهو ما استدعى البحث عن مكان بديل.
أيهم عازف البيانو منهمك في التواصل مع صديقه في المهجر كي يوفر له فرصة سفر للخارج، وعلى خلاف ما كان متوقعاً يتبين أن سعي أيهم للعزف على البيانو لم يكن محاولة منه للتشبث بالمكان، أو لمواجهة الموت بالموسيقى، إنما كانت الموسيقى وسيلة للنجاة من حيز مكاني ما عاد فيه متسع للمستقبل. إذ قد يقع مشاهد فيلم "أنا أزرق" في حيرة من أمره أمام وظيفة ودلالة الآلة الموسيقية وسط هذا الموت والخراب، متسائلاً: "أهي دلالة للتشبث بالمخيم وعدم هجره؟ أم أنها دعوة للنجاة من هذا المكان؟" فحتى الشباب الذين التفوا حول أيهم عازف البيانو، أرادوا بدورهم أن يعثروا على خلاص من خلال الغناء والموسيقى، خلاصاً يأملون أن يأتيهم من الخارج .
نحن هنا أمام قصة موت معلنة، يدركها الجميع، ويشاهدونها عبر البث الحي، حيث يشار إلى ذلك بحرفية عالية استخدمها المخرج أبو غابي، حينما استعرض أناساً يستريحون على المقاعد في دولة أجنبية، استعدادًا لمشاهدة عرض سينمائي أو مسرحي أو موسيقي. وإذ بإشارة تأتي من الشخص الذي كان يتواصل معه عازف البيانو أيهم، يعلن فيها لهؤلاء الناس عن بداية العرض، وإذ بنا نحن وهم في قلب المخيم نشاهد عرضاً موسيقياً وغنائياً لأيهم ورفاقه.
تتخلل هذا العرض أصوات طلقات رصاص تنبعث من عمق المخيم لتقمع الغناء والموسيقى على مرأى من عين المشاهدين القابعين في مقاعدهم المخملية، فينخفض صوت الغناء والموسيقى ويرتبك العازف والمغنون معه، ويتعجلون الرحيل وهم يجرون آلة البيانو قبل أن يطاولهم الرصاص.
اقــرأ أيضاً
كيف يرحل أبناء مخيم اليرموك في دمشق عن مخيمهم، من دون أن يتاح لهم إبداء مشاعر الأسف على هذا الرحيل؟ ففي لحظة خلت فيها جميع العصافير التي كانت تزقزق بين أغصان الأشجار، بعدما تم قتلها ليستعاض بلحمها عن الخبز الذي اختفى تماماً من المخيم، يأتي عبور سيارة الإسعاف على عجل من أمام خطوات متعبة لأناس حائرين لا يعلمون إلى أين تؤدي بهم خطوات الرحيل هذه، ليشير إلى أن ثمة مأساة أكبر لم نلحظها بعد في رحم هذا المخيم، وهو ما استدعى البحث عن مكان بديل.
أيهم عازف البيانو منهمك في التواصل مع صديقه في المهجر كي يوفر له فرصة سفر للخارج، وعلى خلاف ما كان متوقعاً يتبين أن سعي أيهم للعزف على البيانو لم يكن محاولة منه للتشبث بالمكان، أو لمواجهة الموت بالموسيقى، إنما كانت الموسيقى وسيلة للنجاة من حيز مكاني ما عاد فيه متسع للمستقبل. إذ قد يقع مشاهد فيلم "أنا أزرق" في حيرة من أمره أمام وظيفة ودلالة الآلة الموسيقية وسط هذا الموت والخراب، متسائلاً: "أهي دلالة للتشبث بالمخيم وعدم هجره؟ أم أنها دعوة للنجاة من هذا المكان؟" فحتى الشباب الذين التفوا حول أيهم عازف البيانو، أرادوا بدورهم أن يعثروا على خلاص من خلال الغناء والموسيقى، خلاصاً يأملون أن يأتيهم من الخارج .
نحن هنا أمام قصة موت معلنة، يدركها الجميع، ويشاهدونها عبر البث الحي، حيث يشار إلى ذلك بحرفية عالية استخدمها المخرج أبو غابي، حينما استعرض أناساً يستريحون على المقاعد في دولة أجنبية، استعدادًا لمشاهدة عرض سينمائي أو مسرحي أو موسيقي. وإذ بإشارة تأتي من الشخص الذي كان يتواصل معه عازف البيانو أيهم، يعلن فيها لهؤلاء الناس عن بداية العرض، وإذ بنا نحن وهم في قلب المخيم نشاهد عرضاً موسيقياً وغنائياً لأيهم ورفاقه.
تتخلل هذا العرض أصوات طلقات رصاص تنبعث من عمق المخيم لتقمع الغناء والموسيقى على مرأى من عين المشاهدين القابعين في مقاعدهم المخملية، فينخفض صوت الغناء والموسيقى ويرتبك العازف والمغنون معه، ويتعجلون الرحيل وهم يجرون آلة البيانو قبل أن يطاولهم الرصاص.