بدأت قصة "أوراق بنما" المسربة، قبل عام من الآن، عندما تواصل شخص مجهول مع صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، وأرسل إلى الصحيفة مجموعة من الوثائق التي تتعلق بمؤسسة قانونية، مقرها في بنما، تسمى "Mossack Fonseca".
وتبين أن الشركة تقوم ببيع شركات "أوفشور"، تتيح لبعض مالكيها تغطية صفقاتهم الوهمية، وغسل أموالهم، وتسيير أنشطتهم المالية المحظورة.
مع مرور الوقت، بدأت الوثائق بالتراكم، حتى وصلت إلى رقم مهول، يعتبر الأكبر من نوعه، إذ وصلت الداتا المسربة إلى 2.6 تيرا، وتضم "أوراق بنما" 11.5 مليون وثيقة، تغطي الفترة من عام 1977 وحتى العام 2015، وتكشف وثائق 214 ألف شركة.
لا يريد مسرب الوثائق أي شيء بالمقابل، إذ كان هاجسه الوحيد، تسريب الوثائق للإعلام، دون أن يتم المس بخصوصيته وأمنه الشخصي.
الوثائق المسربة ستطلق عاصفة هائلة من المتابعات والتحقيقات الأمنية هذه المرة، على عكس وثائق "ويكيليكس" التي أطلقت عواصف سياسية، أصبحت رتيبة لاحقاً.
وجاءت أكثر الوثائق المسربة خلال الفترة الماضية، لترتكز على ما يمكن اعتباره خفايا عالم السياسة أو "النميمة السياسية"، الأمر مختلف اليوم بالنسبة لـ "أوراق بنما" أو "وثائق بنما"، فهي تفضح فسادا ماليا على نطاق واسع، وشركات وهمية، وتهربا ضريبيا، وصفقات غير مشروعة، مما يعني أن ملاحقات قانونية هامة ستعصف بمن ظهرت أسماؤهم في الوثائق، في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص.
وشملت الوثائق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، ومهربي المخدرات، وزعماء المافيا، وصولا إلى الرياضيين، ومشاهير الغناء، وحتى أقارب المسؤولين في الأمم المتحدة، إذ تُظهر "أوراق بنما" أن الفساد ليس حكراً على السياسيين، وإن كانوا أبرز الفاسدين.
ولم تتمكن صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" من تحليل وتصنيف الوثائق التي تسربت إليها وحيدة، فقامت بالتعاون مع الجمعية الدولية للصحافيين الاستقصائيين. عندها، وعلى امتداد 12 شهراً، قام 400 صحافي من 107 مؤسسات إعلامية، ومن 70 دولة، بالبحث في الوثائق، من أجل تحليلها وتصنيفها، وإعدادها للنشر. ومن أبرز المؤسسات الصحافية التي عملت على الوثائق، مجموعة "بي بي سي" و"ذا غارديان" البريطانيتان، وصحيفة "لوموند" الفرنسية، بالإضافة إلى الصحيفة الألمانية، وصحف أخرى في الأرجنتين، ومناطق أخرى من العالم.
فيما يخص العالم العربي، تكشف "أوراق بنما" تفاصيل حول فساد أقارب الرئيس السوري بشار الأسد، رامي مخلوف، وحافظ مخلوف، بالإضافة إلى الفساد المالي الذي تورط فيه علاء مبارك، ابن الرئيس المصري، حسني مبارك، والذي أطاحت به ثورة 25 يناير في 2011. كذلك تكشف الوثائق معلومات عن رئيس الوزراء العراقي السابق، إياد علاوي.