28 يناير 2024
"إخوان" الأردن ورصاصة الرحمة
ليس في وسعي تحليل مزيج المشاعر التي ألمّت بي، في أعقاب اقتحام مقر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، ولا أنكر أنه خليط من أحاسيس عدة، تغلفها سحابةُ حزن، على هذا المصير الذي آل إليه أعرق الأطياف في بلدٍ لم يكن يعترف بغيره طرفاً وحيداً في الحياة السياسية الأردنية، حتى أواخر الثمانينيات.
ولعل هذا المزيج المتنافر إنما ينبع من تنافر النهج السياسي لهذه الجماعة، وتبدّله، على نحو براغماتي، بين حقبة وأخرى، إلى حدٍّ لم يكن متاحاً فيه القبض على طرفٍ صلب، يمكن الركون إليه، في تحليل فلسفتها الجوانية، خصوصاً وأنها، في مرحلةٍ ما، كانت حليفاً للنظام الأردني، ومن أشد مؤازريه، لا سيما إبّان حوادث أيلول 1970 المؤسفة بين طرفين، وحّدهما الدم والمصير في معركة الكرامة الخالدة سنة 1968، والتي ما يزال الطرفان يحتفلان بنتائجها، على اعتبار أنها أعادت جزءاً من الكرامة للشخصية العربية التي أصابتها نكسة يونيو/ حزيران 1967 في صميم أنفتها وعزتها.
وعلى خطّ موازٍ، لم يكن مسموحاً لغير جماعة الإخوان المسلمين العمل المعلن على الساحة الأردنية، وما يزال مقرّها التاريخي في منطقة وسط البلد في عمّان شاهداً على حضورها القويّ، في زمنٍ كان فيه منتسبو الأحزاب الأخرى، بمختلف أطيافها، يلتصقون بالحيطان والأزقة، خشية القبض عليهم، فيما كانت رموزهم في سجن الجفر الصحراوي، أو منفية في دمشق وبغداد، هذا عدا السماح للجماعة بإنشاء جمعياتها ومستشفياتها، ومزاولة أنشطتها ومهرجاناتها، حتى من دون الحصول على ترخيص، إذ كان تحالفها مع النظام شفيعاً لها، دوماً، بل إن بعض قيادات الجماعة شاركوا في حكوماتٍ أردنية وزراء، وتسلم بعضهم مناصب قيادية أخرى.
بيد أن ما يثير الاستغراب أكثر، أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لعبت دوراً مريباً في تقزيم الأطياف السياسية الأخرى، خصوصاً منها الأحزاب اليسارية والقومية، انطلاقاً من عدائها جمال عبد الناصر والاتحاد السوفييتي، والنظرية الشيوعية بأكملها، ولم تكن على استعداد لقبول أي حوار مع تلك القوى، أو حتى إيجاد قواسم مشتركة معها، فيما يذهب آخرون إلى أن الجماعة باركت، وبشدة، ممارسات النظام القمعية مع القوى الأخرى.
وثمّة من يقول إن لحظة الفراق الحقيقية بين الحكومة و"الإخوان" حانت عقب توقيع معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، غير أنني أزعم أن هذا الفراق لم يحدث، لأن الجماعة، وإن عارضت هذا النهج، فإنها لم تعارض القائمين عليه، كما أنها شاركت في انتخابات نيابية، بعد المعاهدة، واحتلت حصة الأسد من المقاعد، علماً أن المجلس التشريعي جزء من هيكل النظام الذي تزعم الجماعة معارضة نهجه، وكان حرياً بها أن تقاطع الانتخابات نهائياً، إذا كانت تدّعي عكس ذلك.
ولعلّ السؤال هنا: هل دفعت جماعة الإخوان المسلمين ثمن تحالفها القديم مع النظام، أم ثمن افتراقها الجديد عنه، أم ثمن براغماتيتها؟ عموماً، لا أقبل الشماتة بأي طرف سياسي، بل قلت، منذ البداية، إنني أشعر بالحزن على مآل هذه الجماعة العريقة في الأردن، لكنني أشعر، في المقابل، أن الجماعة دفعت ثمن تقلباتها، وثمن إقصائها الأطراف السياسية الأخرى، في مراحل كانت تلك الأطراف فيها أشد ما تكون حاجةً إلى المؤازرة والدعم، ولو ببيانٍ يتيم، وها هو مقرها الرئيسي يغلق، ويطارد رموزها الآن، من دون أن تتحرّك القوى الأخرى لمؤازرتها فعلياً، وكأني بها تردّ ثأرا قديماً.
وبين هذا وذاك، أشعر أن رصاصة الرحمة الحقيقية على جماعة الإخوان المسلمين، بكل امتداداتها العربية، أطلقت في الأردن، إذ لم تطل الرصاصات الأخرى التي أطلقت في مصر والإمارات وغيرهما، غير أجزاء من جسدها، لأن الجميع كان يعتقد، حتى وقت قريب، استحالة إقدام الحكم في الأردن على استئصال شريكه القديم من الحياة السياسية.
ولعل هذا المزيج المتنافر إنما ينبع من تنافر النهج السياسي لهذه الجماعة، وتبدّله، على نحو براغماتي، بين حقبة وأخرى، إلى حدٍّ لم يكن متاحاً فيه القبض على طرفٍ صلب، يمكن الركون إليه، في تحليل فلسفتها الجوانية، خصوصاً وأنها، في مرحلةٍ ما، كانت حليفاً للنظام الأردني، ومن أشد مؤازريه، لا سيما إبّان حوادث أيلول 1970 المؤسفة بين طرفين، وحّدهما الدم والمصير في معركة الكرامة الخالدة سنة 1968، والتي ما يزال الطرفان يحتفلان بنتائجها، على اعتبار أنها أعادت جزءاً من الكرامة للشخصية العربية التي أصابتها نكسة يونيو/ حزيران 1967 في صميم أنفتها وعزتها.
وعلى خطّ موازٍ، لم يكن مسموحاً لغير جماعة الإخوان المسلمين العمل المعلن على الساحة الأردنية، وما يزال مقرّها التاريخي في منطقة وسط البلد في عمّان شاهداً على حضورها القويّ، في زمنٍ كان فيه منتسبو الأحزاب الأخرى، بمختلف أطيافها، يلتصقون بالحيطان والأزقة، خشية القبض عليهم، فيما كانت رموزهم في سجن الجفر الصحراوي، أو منفية في دمشق وبغداد، هذا عدا السماح للجماعة بإنشاء جمعياتها ومستشفياتها، ومزاولة أنشطتها ومهرجاناتها، حتى من دون الحصول على ترخيص، إذ كان تحالفها مع النظام شفيعاً لها، دوماً، بل إن بعض قيادات الجماعة شاركوا في حكوماتٍ أردنية وزراء، وتسلم بعضهم مناصب قيادية أخرى.
بيد أن ما يثير الاستغراب أكثر، أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لعبت دوراً مريباً في تقزيم الأطياف السياسية الأخرى، خصوصاً منها الأحزاب اليسارية والقومية، انطلاقاً من عدائها جمال عبد الناصر والاتحاد السوفييتي، والنظرية الشيوعية بأكملها، ولم تكن على استعداد لقبول أي حوار مع تلك القوى، أو حتى إيجاد قواسم مشتركة معها، فيما يذهب آخرون إلى أن الجماعة باركت، وبشدة، ممارسات النظام القمعية مع القوى الأخرى.
وثمّة من يقول إن لحظة الفراق الحقيقية بين الحكومة و"الإخوان" حانت عقب توقيع معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، غير أنني أزعم أن هذا الفراق لم يحدث، لأن الجماعة، وإن عارضت هذا النهج، فإنها لم تعارض القائمين عليه، كما أنها شاركت في انتخابات نيابية، بعد المعاهدة، واحتلت حصة الأسد من المقاعد، علماً أن المجلس التشريعي جزء من هيكل النظام الذي تزعم الجماعة معارضة نهجه، وكان حرياً بها أن تقاطع الانتخابات نهائياً، إذا كانت تدّعي عكس ذلك.
ولعلّ السؤال هنا: هل دفعت جماعة الإخوان المسلمين ثمن تحالفها القديم مع النظام، أم ثمن افتراقها الجديد عنه، أم ثمن براغماتيتها؟ عموماً، لا أقبل الشماتة بأي طرف سياسي، بل قلت، منذ البداية، إنني أشعر بالحزن على مآل هذه الجماعة العريقة في الأردن، لكنني أشعر، في المقابل، أن الجماعة دفعت ثمن تقلباتها، وثمن إقصائها الأطراف السياسية الأخرى، في مراحل كانت تلك الأطراف فيها أشد ما تكون حاجةً إلى المؤازرة والدعم، ولو ببيانٍ يتيم، وها هو مقرها الرئيسي يغلق، ويطارد رموزها الآن، من دون أن تتحرّك القوى الأخرى لمؤازرتها فعلياً، وكأني بها تردّ ثأرا قديماً.
وبين هذا وذاك، أشعر أن رصاصة الرحمة الحقيقية على جماعة الإخوان المسلمين، بكل امتداداتها العربية، أطلقت في الأردن، إذ لم تطل الرصاصات الأخرى التي أطلقت في مصر والإمارات وغيرهما، غير أجزاء من جسدها، لأن الجميع كان يعتقد، حتى وقت قريب، استحالة إقدام الحكم في الأردن على استئصال شريكه القديم من الحياة السياسية.