تقيم "الجامعة اللبنانية الأميركية" في بيروت ملتقى بعنوان "إعادة البناء ما بعد الحرب: دروس من أوروبا" ينطلق صباح الجمعة، 19 من الشهر الجاري ويتواصل حتى المساء.
تقوم فكرة المؤتمر على استعادة تجربة المدن الأوروبية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، وكيف أعادت هذه المدن بناء الجزء القديم منها محافظة على طابعه وهويته، وهذا ما ستركز معظم الأوراق عليه، إلى جانب مناقشة نهج الحداثة الذي اتبعته المدن الأوروبية في عملية الإعمار.
تقارن الأوراق المشاركة بين هذا التاريخ وبين ما عرفته المدن العربية مؤخراً من ظروف مدمرة وحروب متعددة ومستمرة في بلاد فيها أقدم مدن العالم من العراق إلى سورية وليبيا وفلسطين وكذلك لبنان.
كما تلقي الأوراق الضوء على الجوانب السلبية التي ظهرت في استراتيجيات التجربة الأوروبية في محاولة لتجنب هذه المشكلات لدى إعادة بناء المدن العربية. تجمع هذه الندوة بين مجموعة من الخبراء من أوروبا الشرقية والغربية، وتغطي دراسات الحالة الرئيسية في بولندا وألمانيا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا.
المحاضرة الافتتاحية يلقيها الأكاديمي والمعماري نيكولاس بولوك من "جامعة كامبريدج"، ويتطرّق فيها إلى الدور الذي تقوم به الدولة في إعادة الإعمار، والصلات بين إعادة البناء المادي والخطط الأوسع لتحويل وتحديث مجتمع ما بعد الحرب، إلى جانب التوترات بين برامج التحديث والتعلّق بالكثير من الذكريات والإرث المادي واللامادي المرتبط بالمكان قبل الحرب.
بالنسبة إلى التجربة الفرنسية في إعادة الإعمار يلقيها المعماري الفرنسي باتريك غوربين من مدرسة العمارة الوطنية في النورماندي، وفيها خصائص عملية إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية في فرنسا والأشكال العمرانية والمعمارية التي تم وضعها.
ويناقش غوربين أنه ومع تضرر الأراضي الفرنسية بأكملها بسبب التدمير الحضري، كانت إعادة الإعمار تمول بالكامل من الدولة. ولهذا الغرض، أنشأت الحكومة الفرنسية وزارة تسمى وزارة الإصلاح والتخطيط العمراني، التي نفّذت نفس السياسة في جميع أنحاء الإقليم الوطني.
كان الطموح هو الاستفادة من الفرصة لتطوير مدن حديثة وعملية وصحية ومنظّمة، ولكن أيضًا جمالية، حيث يبرز التخطيط الحضري للتاريخ. وهكذا، تم الحفاظ على معظم الآثار القديمة، مع ابتكار طرق جديدة مصممة لجعلها مرئية.
تحت عنوان "ميلانو 1945، إعادة الإعمار. الحداثة والتقليد والاستمرارية" يلقي المعماري الإيطالي رافالايللا نيري محاضرة يتناول فيها تدمير ميلان إلى حد كبير بعد الحرب، ويرى أن عصر إعادة الإعمار واجه مجموعة من المشاكل التي طرحت أسئلة معمارية ونظرية هامة بعد فقدان عدد كبير من الآثار التي مثلت هوية المدينة، وتدمير العديد من الكتل السكنية التاريخية والحاجة الكبيرة للسكن من شأنها أن تزيد في العقدين التاليين بسبب التنمية الصناعية.
يستكمل المعماري الإيطالي جيوفاني كوربليني التجربة الإيطالية، من خلال ورقته "إعادة بناء الهندسة المعمارية: الاستمرارية والثغرات في ما بعد إيطاليا الفاشية"، وفيها يؤكد أن ديكتاتورية موسوليني تتقاطع حتماً مع قضايا الهندسة المعمارية. ويرى أن الفاشية عملت لعقدين من الزمن كعامل متناقض للتنمية. ويضيف أن الفجوات الهائلة التي أحدثها الدمار في زمن الحرب في المدن الإيطالية جاءت بعد جراح أخرى - أعمق في بعض الأحيان - تسبب بها النظام الفاشي في النسيج الحضري التاريخي.
ومن بولندا تتحدّث المعمارية مالغورزاتا بوبيوليك، حول "وارسو: إعادة البناء التي بدأت قبل الحرب"، وفيها يتناول هدم عاصمة بولندا خلال الحرب العالمية الثانية. ويروي كيف قام "مكتب إعادة بناء العاصمة" من إعادة بناء المعالم الأساسية، من شوارع وهياكل، بما في ذلك وسط المدينة التاريخي. وأصبحت وارسو القديمة التي تم ترميمها فيما بعد نموذجاً للتاريخ البولندي، وقد أدرجتها "اليونسكو" عام 1980 كموقع للتراث العالمي.
كما تلقي المعمارية والأكاديمية الهنغارية فيراغ مولنار ورقة "رؤى يتوبية: إنشاء مدينة جديدة مقابل إعادة تأهيل القديم" وهي حول تجربة بودابست، والتي كان حصارها من بين أطول المعارك في الحرب العالمية الثانية وأكثرها دموية. وكان حجم القتال والدمار مقارناً فقط مع حصار لينينغراد وستالينغراد ووارسو، من أكثر الأحداث المدمرة للعمران والعمارة خلال الحرب العالمية الثانية.