الحمد لله على هذه النعمة. كل يوم، يشعر أبو فادي أنّه يعيش في الجنة. ولمن لا يعرف أبو فادي، فهو الجار "الهادي". يستفيق صباحاً بابتسامة تشق وجهه. يقف في المكان المخصص للأوتوبيس التابع للنقل العام المتطور جداً في لبنان، ويجلس بصعوبة. فابتسامته تزداد اتساعاً كل لحظة، لتشكّل خطّين نافرين يخرجان من الخد الأيمن والخدّ الأيسر. ما يجبره على حجز مقعدين كي يتّسعا له ولابتسامته.
في دقائق قليلة يصل الى مكتبه، فلا زحمة سير ولا إشارات معطّلة ولا مياه تغمر الطرق، رغم الشتاء، ولا شرطي السير يأكل التفاحة.
يعمل 8 ساعات بفرح، يزيد طول الابتسامة كثيراً. وللأمانة، فابتسامته التي تخترق خده الأيسر بخطّ مستقيم خارج وجهه، أكبر بسنتيمترات من الخط الخارج من خده الأيمن. السر هو أن صاحب العمل اللطيف يجلس في مكتب على يسار الجار أبو فادي.
يعود أبو فادي الى بيته وتكاد قدماه تلامسان ظهره. سعيد جداً أبو فادي. انظروا الى ابتسامته وقد خرجت من الباب لتنتظر أولاده الذين يتعلمون في المدرسة الرسمية. والمدرسة الرسمية رائدة في التعليم بالطبع. تعتبر الطلاب جيل المستقبل. فتقدم لهم الوجبات الفكرية اللازمة. لا بل ترشدهم الى الاختصاص الجامعي المطلوب في سوق العمل. وبعد الجامعة تتكفل بهم الدولة التي تعرف جيداً كيف تستثمر أبناءها، فتكون الوظائف منتظرة من يشغلها.
وراتب أبو فادي منصف وهو ليس مديوناً، أصلاً لا يوجد في بلده حاجة للاستدانة. وحصته من البترول الذي يتدفق من بحر لبنان وبرّه تصله كما كل المواطنين، بعدالة مدروسة. كذلك بيته، هادئ، لا تحيط به أي اشتباكات، في بلد المحبة الفائضة. الكهرباء تشعشع في جنبات المنزل طوال الساعات الـ24 يومياً. المياه نظيفة ومتدفقة. لديه كل حاجاته الأساسية من سلع غذائية بأسعار معقولة جداً، وجودة مميزة. حتى إنه يملك موقفاً لسيارته تحت المبنى حيث يعيش. طبعاً هذا عادي، لأن كل هذه الخدمات مؤمنة لكل جيران أبو فادي.
لكن أبو فادي مأزوم. فهو يفكر دائماً في مشكلة حياته الوحيدة، وهي لون بيته. لونه أبيض، وهو يحب اللون البنفسجي. واللون الأخير غريب عجيب. يشتريه على أنه بنفسجي، وعندما يطلي الجدران به تراه يتحول إلى الأسود. غريب.
من شدة قلق أبو فادي على لون بيته، أُصيب بعارض صحي بسيط. وبهدوء، انتقل أبو فادي، الجار "الهادي"، الى المستشفى العام. ويا سلام. استقبال ونظافة، وجودة الخدمات لا تُضاهى، والأهم انخفاض الكلفة. لا يدفع أبو فادي الكثير هنا، فهو ملتزم بدفع الضرائب، وفي المقابل تؤمن له الدولة تغطية استشفائية كاملة. وكي لا ننسى، لم يكن أي موظف في حاجة إلى حقّ من حقوقه في المستشفى، ولم يكن هنالك أي إضراب عن العمل.
وهنا أيضاً كانت ابتسامة أبو فادي تتّسع. سأله الطبيب المبتسم إن كان يريد دهن ابتسامته، التي أصبحت بعرض مدينة بيروت، باللون البنفسجي. قدّر أبو فادي الطلب كثيراً، لكنه كان مصراً على أن يدهن بيته بالبنفسجي، لا ابتسامته.
عاد الجار "الهادي" إلى بيته، نام أمام مدخل البيت وترك رأسه في الخارج، إذ إن اتّساع ابتسامته جعلها خارج حدود لبنان.
صباحاً، استفاق أبو فادي وشعر بألم في وجهه. كانت ابتسامته تصطدم بابتسامات الشعوب العربية. ابتسامات أفقية، ابتسامات عمودية، ابتسامات أرض – جوّ، ابتسامات حلزونية... يااااه، اكتشف أبو فادي، أن جنّته واسعة جداً.
ومع اكتشاف جنّات الدول العربية كانت ابتسامته تتّسع وتتّسع، حتى إنه استطاع أن يسمع عبر فمه. سمع نساء يزغردن. سمعهنّ يقلن "وزغردي يا انشراح، اللي جاي أحلى من اللي راح". فانزعج أبو فادي الجار "الهادي". تذكر مأساة بيته. وشعر أنه وحده من بين ملايين العرب لديه مشكلة. هو وحده من يتعرض لظلم وقهر اللون البنفسجي، وهو وحده من يخضع لفساد هذا اللون وتفرّده وانحيازه وغشّه وتحوّله إلى اللون الأسود البشع. هو وحده المهدور حقه.
فجأة لمعت عينا أبو فادي. واتّسعت ابتسامته، أكثر، وأكثر، وأكثر. قرّر تنظيم تظاهرة يقتل خلالها ملل العيش في جنّة. وراح يهتف: "الشعب يريد إسقاط البنفسجي"، "الشعب يريد إسقاط البنفسجي".
يعمل 8 ساعات بفرح، يزيد طول الابتسامة كثيراً. وللأمانة، فابتسامته التي تخترق خده الأيسر بخطّ مستقيم خارج وجهه، أكبر بسنتيمترات من الخط الخارج من خده الأيمن. السر هو أن صاحب العمل اللطيف يجلس في مكتب على يسار الجار أبو فادي.
يعود أبو فادي الى بيته وتكاد قدماه تلامسان ظهره. سعيد جداً أبو فادي. انظروا الى ابتسامته وقد خرجت من الباب لتنتظر أولاده الذين يتعلمون في المدرسة الرسمية. والمدرسة الرسمية رائدة في التعليم بالطبع. تعتبر الطلاب جيل المستقبل. فتقدم لهم الوجبات الفكرية اللازمة. لا بل ترشدهم الى الاختصاص الجامعي المطلوب في سوق العمل. وبعد الجامعة تتكفل بهم الدولة التي تعرف جيداً كيف تستثمر أبناءها، فتكون الوظائف منتظرة من يشغلها.
وراتب أبو فادي منصف وهو ليس مديوناً، أصلاً لا يوجد في بلده حاجة للاستدانة. وحصته من البترول الذي يتدفق من بحر لبنان وبرّه تصله كما كل المواطنين، بعدالة مدروسة. كذلك بيته، هادئ، لا تحيط به أي اشتباكات، في بلد المحبة الفائضة. الكهرباء تشعشع في جنبات المنزل طوال الساعات الـ24 يومياً. المياه نظيفة ومتدفقة. لديه كل حاجاته الأساسية من سلع غذائية بأسعار معقولة جداً، وجودة مميزة. حتى إنه يملك موقفاً لسيارته تحت المبنى حيث يعيش. طبعاً هذا عادي، لأن كل هذه الخدمات مؤمنة لكل جيران أبو فادي.
لكن أبو فادي مأزوم. فهو يفكر دائماً في مشكلة حياته الوحيدة، وهي لون بيته. لونه أبيض، وهو يحب اللون البنفسجي. واللون الأخير غريب عجيب. يشتريه على أنه بنفسجي، وعندما يطلي الجدران به تراه يتحول إلى الأسود. غريب.
من شدة قلق أبو فادي على لون بيته، أُصيب بعارض صحي بسيط. وبهدوء، انتقل أبو فادي، الجار "الهادي"، الى المستشفى العام. ويا سلام. استقبال ونظافة، وجودة الخدمات لا تُضاهى، والأهم انخفاض الكلفة. لا يدفع أبو فادي الكثير هنا، فهو ملتزم بدفع الضرائب، وفي المقابل تؤمن له الدولة تغطية استشفائية كاملة. وكي لا ننسى، لم يكن أي موظف في حاجة إلى حقّ من حقوقه في المستشفى، ولم يكن هنالك أي إضراب عن العمل.
وهنا أيضاً كانت ابتسامة أبو فادي تتّسع. سأله الطبيب المبتسم إن كان يريد دهن ابتسامته، التي أصبحت بعرض مدينة بيروت، باللون البنفسجي. قدّر أبو فادي الطلب كثيراً، لكنه كان مصراً على أن يدهن بيته بالبنفسجي، لا ابتسامته.
عاد الجار "الهادي" إلى بيته، نام أمام مدخل البيت وترك رأسه في الخارج، إذ إن اتّساع ابتسامته جعلها خارج حدود لبنان.
صباحاً، استفاق أبو فادي وشعر بألم في وجهه. كانت ابتسامته تصطدم بابتسامات الشعوب العربية. ابتسامات أفقية، ابتسامات عمودية، ابتسامات أرض – جوّ، ابتسامات حلزونية... يااااه، اكتشف أبو فادي، أن جنّته واسعة جداً.
ومع اكتشاف جنّات الدول العربية كانت ابتسامته تتّسع وتتّسع، حتى إنه استطاع أن يسمع عبر فمه. سمع نساء يزغردن. سمعهنّ يقلن "وزغردي يا انشراح، اللي جاي أحلى من اللي راح". فانزعج أبو فادي الجار "الهادي". تذكر مأساة بيته. وشعر أنه وحده من بين ملايين العرب لديه مشكلة. هو وحده من يتعرض لظلم وقهر اللون البنفسجي، وهو وحده من يخضع لفساد هذا اللون وتفرّده وانحيازه وغشّه وتحوّله إلى اللون الأسود البشع. هو وحده المهدور حقه.
فجأة لمعت عينا أبو فادي. واتّسعت ابتسامته، أكثر، وأكثر، وأكثر. قرّر تنظيم تظاهرة يقتل خلالها ملل العيش في جنّة. وراح يهتف: "الشعب يريد إسقاط البنفسجي"، "الشعب يريد إسقاط البنفسجي".