16 سبتمبر 2024
"الإحالة" الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية
أنيس فوزي قاسم
خبير فلسطيني في القانون الدولي، دكتوراة من جامعة جورج واشنطن، رئيس مجلس إدارة صندوق العون القانوني للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين
سيكون تاريخ 22/5/2018 علامة فارقة في تاريخ العلاقة الفلسطينية مع محكمة الجنايات الدولية، ذلك أن وزير خارجية فلسطين، رياض المالكي، اجتمع مع المدّعية العامة للمحكمة في ذلك التاريخ، وسلّمها رسمياً "طلب إحالة" الوضع في الأراضي الفلسطينية للبدء في إجراء التحقيق الأولي في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القيام ببناء المستوطنات وهدم بيوت الفلسطينيين وقتل الذين يشتركون في مظاهرات سلمية، كما هو جارٍ حالياً في قطاع غزة، إلى آخر قائمة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
أما لماذا يُعتبر هذا التاريخ علامة فارقة، فإن الجواب يحتاج إلى إيجاز تاريخي للفترة السابقة. كما هو معلوم، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترفت بفلسطين "دولة" غير عضو في 29/11/2012، بموجب القرار رقم 19/67، والذي صدر بأغلبية 138 صوتاً ضد تسعة أصوات. وكان أحد الأسباب الملحّة التي دعت القيادة الفلسطينية بطلب الحصول على وضع "دولة" هو رغبتها في التوقيع على ميثاق روما الذي أسست المحكمة الجنائية الدولية على أساسه، وبالتالي تتمكن من ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. إلاّ أنه، وبعد أن حصلت على الاعتراف بوضع دولة، تلكأت القيادة الفلسطينية في الانضمام إلى ميثاق روما. وتسربت معلوماتٌ آنئذٍ مؤداها أن إسرائيل هدّدت القيادة الفلسطينية بالويل والثبور، إنْ هي انضمت إلى ميثاق روما. وانضمت الحكومة الأميركية إلى إسرائيل، وهددت بتخفيض المساعدات المالية إن تجرأت القيادة الفلسطينية، وانضمت إلى المحكمة. واستمرّ الحال كذلك إلى أن ارتكبت إسرائيل المحرقة الثالثة ضد قطاع غزة في العام 2014، وقد غرقت إسرائيل في دماء أهلنا في غزة وممتلكاتهم، واستمرت تلك المحرقة أكثر من خمسين يوماً، ما جعل الضغوط على القيادة الفلسطينية تتصاعد، إلى أن أصبح من غير المقبول عدم الرضوخ لتلك الضغوط، فأعلنت القيادة انضمامها لميثاق روما اعتباراً من 1/1/2015، وأعلنت قبولها الولاية القضائية للمحكمة بشأن الجرائم التي ارتكبت في الأراضي المحتلة، اعتباراً من 13/6/2014، وبذلك تشمل المحرقة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.
وقدّم رياض المالكي وثيقةً للمدعي العام بشأن جرائم ارتكبت في الأراضي المحتلة، وذلك في طلبه المقدّم في 25/6/2015، إلاّ أنه قدم الطلب آنذاك على أساس المادة 15 من ميثاق روما، والتي تعطي الحق للمدّعي العامة أن "يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس
المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة"، أي أن ما قام به المالكي هو تزويد المدّعي العام بـ "المعلومات"، لكن هذا لا يعني بالضرورة الطلب من المدّعي العام أن تجري تحقيقات، أو أن تطلب تحريك دعوى قضائية، بل إنه يثير انتباه المدّعي العام أو يلفت نظره إلى وقوع جرائم في الأراضي المحتلة، وللمدعي العام الخيار في أن يهتم بهذه المعلومات أو أن يهملها، ولكنه ليس ملزماً بالرد عليها. واستمر الحال بين فلسطين والمحكمة الجنائية على هذا المنوال، منذ ذلك الحين. وقد زاد حجم البلاغات التي قدمتها فلسطين إلى المدّعي العام عن ثلاثمائة بلاغ وسجل في قاعدة بيانات مكتب الادعاء العام أكثر من ثلاثة آلاف جريمة وحادثة، رصدتها ووثقتها الأجهزة الفلسطينية. واستمرت السلطة الفلسطينية في تقديم تقارير شهرية إلى المدّعي العام، إلا أن هذا الكم الهائل من التقارير والبيانات لم يحرّك المدّعي العام باتجاه تحريك دعوى أو إجراء تحقيق، ولو على نحو متواضع.
ومن هنا، جاءت الخطوة الحاسمة التي اتخذها وزير خارجية فلسطين في 22/5/2018، حين قدّم "طلب إحالة"، ومن المفروض أن الطلب قُدّم الآن على أساس الماده 14 من ميثاق روما، والتي تجيز لأي دولة طرف "أن تحيل إلى المدّعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر" قد ارتكبت، "وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة، بغرض البتّ فيها..."إن تقديم طلب إحالة بموجب المادة 14 هو في الواقع "تحريك دعوى". وهذا هو الفرق المهم بين الطلب بموجب هذه المادة والطلب بموجب المادة 15، ذلك أن طلب الإحالة يعني أن "تطلب" الدولة من المدّعي العام التحقيق في وضع معين. وهنا على المدّعي العام أن يتحرّك ويجري التحقيقات اللازمة، ويطلب مزيداً من المعلومات والبينات والأدلة، إلى أن يقتنع بأن جريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاصه قد ارتكبت، والجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة هي جريمة الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وجريمة العدوان. وعلى المدّعي العام أن يصل إلى نتيجة، حيث يتم "البت في الأمر"، أي أن يقتنع بأن هناك جريمة قد ارتكبت، أو أن يقرّر أن لا جريمة، ويطوي الملف. ولم يكن المدّعي العام في هذا الوضع بموجب المادة 15، كما كانت تفعل القيادة الفلسطينية خلال الفترة السابقة، فالتحقيق بموجب هذه المادة لا يؤدي، بالضرورة، إلى تحريك دعوى، كالتحقيق بموجب المادة 14 من ميثاق روما. وقد شرحت وزارة الخارجية الفلسطينية الفرق الواسع بين الطلب بموجب المادة 15 و"طلب الإحالة" بموجب المادة 14 بقولها "إن التأخير في الدراسة الأولية التي بدأتها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية قبل ثلاثة أعوام ونصف لا يخدم مبادئ العدالة أو ممارسة المحكمة اختصاصها في تحقيق الردع عن ارتكاب الجرائم من خلال المساءلة، حيث أن العدالة المتأخرة عدالة غائبة".
ومن دون انتقاصٍ من أهمية طلب الإحالة الذي تقدم به وزير الخارجية الفلسطيني، إلاّ أنه يجب التحذير من أن ولوج باب المحكمة الجنائية الدولية ليس أمراً يسيراً، أو من دون عقبات. وكأي مسألةٍ تحال إلى القضاء، المدني منه والجنائي، وبغض النظر عن موضوع الطلب أو الشكوى، فإنه يتطلب من جهاز الدفاع قبل الذهاب إلى المحكمة أن يرسم استراتيجية تفصيلية لإدارة الدعوى، والتحضير لأي عقباتٍ تواجه الدفاع. ومن المأمول أن تكون هيئة الدفاع الفلسطينية قد أعدّت استراتيجيتها إعداداً جيداً، ذلك أن المستهدفين في "طلب الإحالة" مسؤولون مدنيون وعسكريون إسرائيليون، وسوف تلجأ إسرائيل إلى كل الطرائق والحيل والكمائن لإحباط المسعى الفلسطيني. وعلى سبيل المثال، ينص ميثاق روما على حق مجلس الأمن الدولي أن يطلب تأجيل التحقيق، أو النظر في القضية المتداولة بشرط أن يصدر المجلس قراراً على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي أن قراره يكون ملزماً. ومن المتوقع أن تكون هيئة الدفاع قد استعدت لهذا الاحتمال، وكيفية التعامل معه.
كما ينص ميثاق روما على مبدأ "التكاملية"، والذي يعني أن لاختصاص القضاء الوطني
الأولوية على اختصاص المحكمة الدولية، إلاّ أن الأخيرة تستطيع مزاولة اختصاصها إذا رفض القضاء الوطني أو فشل في القيام بالتزامه في التحقيق مع المتهمين ومحاكمتهم ومعاقبتهم. وعلى هيئة الدفاع الفلسطينية أن تكون على استعدادٍ لإحباط المسعى الإسرائيلي لحماية المتهمين الإسرائيليين، وذلك بتشكيل محاكم صورية أو إجراء تحقيقات وهمية. وقد سبق لإسرائيل أن أجرت تحقيقاتٍ صورية مع ضباط اتُّهموا بارتكاب جرائم حربٍ في محرقة غزة، وقد وجدت هيئات التحقيق الإسرائيلية أن هؤلاء لم يرتكبوا أي مخالفة لقوانين الحرب، إلاّ ضابطاً واحداً ارتكب جريمة "سرقة بطاقة ائتمان" من غزة. وعلى هيئة الدفاع أن تستعد لمواجهة هذه الحيل الإسرائيلية، وذلك بتحضير الأدلة على صورية التحقيق الإسرائيلي وعدم جديته.
ليس التصدي للأساليب الإسرائيلية عملية مستحيلة، بل هي في مكنة الأجهزة الفلسطينية، والتي لها القدرة على الاستعانة بأفضل الخبرات القانونية والقضائية، وقد سبق لها ذلك، وحازت خبرات مهمة في هذا السياق. العنصر الأهم هو أن تحسم القيادة الفلسطينية أمرها باتخاذ قرار سياسي لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وأن لا تستخدم هذا القرار ورقة مفاوضات أو مساومات، كما فعلت في المرحلة السابقة، حين كانت تزود المدعي العام بتقارير دورية من دون "طلب إحالة"، أي من دون طلب تحريك دعوى جنائية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين.
اللجوء إلى القضاء الجنائي الدولي عمليةٌ، في أساسها، سياسية، مهما قيل عن الجرائم التي ارتكبت. وبالتالي، لا يكفي أن تقدم فلسطين "طلب إحالة"، وتنتظر رد المدعي العام، بل على فريق الدفاع "نصب خيمة" في لاهاي، لمتابعة القضية على أساس يومي تقريباً، وعلى نحو حثيث، ورصد أية تحرّكات تقوم بها إسرائيل للعبث بالأدلّة، أو تهديد الشهود، أو القيام بعمليات ابتزاز أو إجراء تحقيقاتٍ وهمية أو صورية لكف يد المحكمة الجنائية. وعلمتنا التجارب أن لإسرائيل خبرة عميقة في استخدام هذه الأساليب والحيل. وكان المدعي العام السابق، لويس مورينو أوكامبو، قد عرقل انضمام فلسطين إلى ميثاق روما منذ العام 2009، من دون أن يكون مفوضاً، أو ذا صلاحيةٍ في البحث في أوراق أي طرفٍ أراد الانضمام إلى الميثاق، لكنه كان ضيفاً دائماً على مائدة السفير الإسرائيلي في لاهاي، وكانت له طموحاته في استرضاء بعض ذوي النفوذ.
أما لماذا يُعتبر هذا التاريخ علامة فارقة، فإن الجواب يحتاج إلى إيجاز تاريخي للفترة السابقة. كما هو معلوم، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترفت بفلسطين "دولة" غير عضو في 29/11/2012، بموجب القرار رقم 19/67، والذي صدر بأغلبية 138 صوتاً ضد تسعة أصوات. وكان أحد الأسباب الملحّة التي دعت القيادة الفلسطينية بطلب الحصول على وضع "دولة" هو رغبتها في التوقيع على ميثاق روما الذي أسست المحكمة الجنائية الدولية على أساسه، وبالتالي تتمكن من ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. إلاّ أنه، وبعد أن حصلت على الاعتراف بوضع دولة، تلكأت القيادة الفلسطينية في الانضمام إلى ميثاق روما. وتسربت معلوماتٌ آنئذٍ مؤداها أن إسرائيل هدّدت القيادة الفلسطينية بالويل والثبور، إنْ هي انضمت إلى ميثاق روما. وانضمت الحكومة الأميركية إلى إسرائيل، وهددت بتخفيض المساعدات المالية إن تجرأت القيادة الفلسطينية، وانضمت إلى المحكمة. واستمرّ الحال كذلك إلى أن ارتكبت إسرائيل المحرقة الثالثة ضد قطاع غزة في العام 2014، وقد غرقت إسرائيل في دماء أهلنا في غزة وممتلكاتهم، واستمرت تلك المحرقة أكثر من خمسين يوماً، ما جعل الضغوط على القيادة الفلسطينية تتصاعد، إلى أن أصبح من غير المقبول عدم الرضوخ لتلك الضغوط، فأعلنت القيادة انضمامها لميثاق روما اعتباراً من 1/1/2015، وأعلنت قبولها الولاية القضائية للمحكمة بشأن الجرائم التي ارتكبت في الأراضي المحتلة، اعتباراً من 13/6/2014، وبذلك تشمل المحرقة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.
وقدّم رياض المالكي وثيقةً للمدعي العام بشأن جرائم ارتكبت في الأراضي المحتلة، وذلك في طلبه المقدّم في 25/6/2015، إلاّ أنه قدم الطلب آنذاك على أساس المادة 15 من ميثاق روما، والتي تعطي الحق للمدّعي العامة أن "يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس
ومن هنا، جاءت الخطوة الحاسمة التي اتخذها وزير خارجية فلسطين في 22/5/2018، حين قدّم "طلب إحالة"، ومن المفروض أن الطلب قُدّم الآن على أساس الماده 14 من ميثاق روما، والتي تجيز لأي دولة طرف "أن تحيل إلى المدّعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر" قد ارتكبت، "وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة، بغرض البتّ فيها..."إن تقديم طلب إحالة بموجب المادة 14 هو في الواقع "تحريك دعوى". وهذا هو الفرق المهم بين الطلب بموجب هذه المادة والطلب بموجب المادة 15، ذلك أن طلب الإحالة يعني أن "تطلب" الدولة من المدّعي العام التحقيق في وضع معين. وهنا على المدّعي العام أن يتحرّك ويجري التحقيقات اللازمة، ويطلب مزيداً من المعلومات والبينات والأدلة، إلى أن يقتنع بأن جريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاصه قد ارتكبت، والجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة هي جريمة الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وجريمة العدوان. وعلى المدّعي العام أن يصل إلى نتيجة، حيث يتم "البت في الأمر"، أي أن يقتنع بأن هناك جريمة قد ارتكبت، أو أن يقرّر أن لا جريمة، ويطوي الملف. ولم يكن المدّعي العام في هذا الوضع بموجب المادة 15، كما كانت تفعل القيادة الفلسطينية خلال الفترة السابقة، فالتحقيق بموجب هذه المادة لا يؤدي، بالضرورة، إلى تحريك دعوى، كالتحقيق بموجب المادة 14 من ميثاق روما. وقد شرحت وزارة الخارجية الفلسطينية الفرق الواسع بين الطلب بموجب المادة 15 و"طلب الإحالة" بموجب المادة 14 بقولها "إن التأخير في الدراسة الأولية التي بدأتها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية قبل ثلاثة أعوام ونصف لا يخدم مبادئ العدالة أو ممارسة المحكمة اختصاصها في تحقيق الردع عن ارتكاب الجرائم من خلال المساءلة، حيث أن العدالة المتأخرة عدالة غائبة".
ومن دون انتقاصٍ من أهمية طلب الإحالة الذي تقدم به وزير الخارجية الفلسطيني، إلاّ أنه يجب التحذير من أن ولوج باب المحكمة الجنائية الدولية ليس أمراً يسيراً، أو من دون عقبات. وكأي مسألةٍ تحال إلى القضاء، المدني منه والجنائي، وبغض النظر عن موضوع الطلب أو الشكوى، فإنه يتطلب من جهاز الدفاع قبل الذهاب إلى المحكمة أن يرسم استراتيجية تفصيلية لإدارة الدعوى، والتحضير لأي عقباتٍ تواجه الدفاع. ومن المأمول أن تكون هيئة الدفاع الفلسطينية قد أعدّت استراتيجيتها إعداداً جيداً، ذلك أن المستهدفين في "طلب الإحالة" مسؤولون مدنيون وعسكريون إسرائيليون، وسوف تلجأ إسرائيل إلى كل الطرائق والحيل والكمائن لإحباط المسعى الفلسطيني. وعلى سبيل المثال، ينص ميثاق روما على حق مجلس الأمن الدولي أن يطلب تأجيل التحقيق، أو النظر في القضية المتداولة بشرط أن يصدر المجلس قراراً على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي أن قراره يكون ملزماً. ومن المتوقع أن تكون هيئة الدفاع قد استعدت لهذا الاحتمال، وكيفية التعامل معه.
كما ينص ميثاق روما على مبدأ "التكاملية"، والذي يعني أن لاختصاص القضاء الوطني
ليس التصدي للأساليب الإسرائيلية عملية مستحيلة، بل هي في مكنة الأجهزة الفلسطينية، والتي لها القدرة على الاستعانة بأفضل الخبرات القانونية والقضائية، وقد سبق لها ذلك، وحازت خبرات مهمة في هذا السياق. العنصر الأهم هو أن تحسم القيادة الفلسطينية أمرها باتخاذ قرار سياسي لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وأن لا تستخدم هذا القرار ورقة مفاوضات أو مساومات، كما فعلت في المرحلة السابقة، حين كانت تزود المدعي العام بتقارير دورية من دون "طلب إحالة"، أي من دون طلب تحريك دعوى جنائية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين.
اللجوء إلى القضاء الجنائي الدولي عمليةٌ، في أساسها، سياسية، مهما قيل عن الجرائم التي ارتكبت. وبالتالي، لا يكفي أن تقدم فلسطين "طلب إحالة"، وتنتظر رد المدعي العام، بل على فريق الدفاع "نصب خيمة" في لاهاي، لمتابعة القضية على أساس يومي تقريباً، وعلى نحو حثيث، ورصد أية تحرّكات تقوم بها إسرائيل للعبث بالأدلّة، أو تهديد الشهود، أو القيام بعمليات ابتزاز أو إجراء تحقيقاتٍ وهمية أو صورية لكف يد المحكمة الجنائية. وعلمتنا التجارب أن لإسرائيل خبرة عميقة في استخدام هذه الأساليب والحيل. وكان المدعي العام السابق، لويس مورينو أوكامبو، قد عرقل انضمام فلسطين إلى ميثاق روما منذ العام 2009، من دون أن يكون مفوضاً، أو ذا صلاحيةٍ في البحث في أوراق أي طرفٍ أراد الانضمام إلى الميثاق، لكنه كان ضيفاً دائماً على مائدة السفير الإسرائيلي في لاهاي، وكانت له طموحاته في استرضاء بعض ذوي النفوذ.
أنيس فوزي قاسم
خبير فلسطيني في القانون الدولي، دكتوراة من جامعة جورج واشنطن، رئيس مجلس إدارة صندوق العون القانوني للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين
أنيس فوزي قاسم
مقالات أخرى
23 يونيو 2024
09 مايو 2024
06 ابريل 2024