في مؤلّفات مثل: "كتاب لماذا يصفق المصريون؟" (2009)، و"البلاغة والتواصل عبر الثقافات" (2012)، و"بلاغة الحرية" (2012)، و"تحليل الخطاب السياسي" (2020)، قدّم الباحث المصري عماد عبد اللطيف قراءات موسّعة لقضايا راهنة عبر أدوات علم اللسانيات المتعددة، ومن بين فروعها البلاغة مع تجدّد مناهجها ومقارباتها.
وإذا كان علم اللسانيات قد نشأ في عواصم الغرب وجامعاته، خصوصاً في النصف الأول من القرن العشرين، فإن المسافة الزمنية أتاحت نقل الكثير من أدواته وتطبيقها حول مسائل عربية، ومنها البلاغة، وهو ما يعطي مشروعية لسؤال: كيف يمكن الوصول إلى بلاغة عربية جديدة؟
وهذا هو الانشغال الذي يتصدّى له عبد اللطيف في كتابه الجديد، الصادر مؤخراً، بعنوان "البلاغة العربية الجديدة"، وهو عمل أصدره مؤلفه دون المرور عبر حلقة الناشر، وقد يعود ذلك إلى ما فرضه انتشار فيروس كورونا وتقلّص طلب دور النشر على الكتب الجديدة، أو لعله موقف من علاقة الناشرين بالكتّاب، حيث تتزايد في السنوات الأخيرة مبادرات الكتّاب بنشر أعمالهم على حسابهم الخاص.
يضمّ العمل ثمانية عشر فصلاً في نحو 600 صفحة، وينتقل بالقارئ من إضاءات حول منظومات البلاغة القديمة مروراً بما طرأ عليها من تطويرات ليصل المؤلف إلى أشكالها الحديثة والمعاصرة، ويلفت إلى الممكنات التي تتوّفر لإنتاج بلاغة عربية لها خصوصيتها وفرادتها.
قسّم عبد اللطيف كتابه إلى أربعة أقسام. في الأول يستكشف مقاربات غير تقليدية للنظر إلى بلاغات الماضي القديم والقريب؛ بهدف تأسيس مسارات جديدة للدرس البلاغي العربي. وفي القسم الثاني يقترح فحصاً شاملًا للمقاربات والمنهجيات البلاغية الممتدة عبر سبعة عقود منذ النصف الثاني للقرن العشرين؛ بهدف رسم خريطة نقدية لمسارات الدرس البلاغي الراهن، وتقديم مقترحات لتطويره.
أما القسم الثالث فقد خُصّص لتقديم توجه بلاغي يُمثل أحد مسارات التجديد البلاغي الممكنة. فيما يقدم القسم الرابع مقترحاً لتطوير تدريس البلاغة، حتى يُساير التجديد البحثي. وفي خاتمة كتابه، يؤكّد عبد اللطيف على أن هذا العمل "يفنّد أسطورة التابوت الفارغ الذي توهَّم البعضُ أن البلاغة ترقد ميتة فيه"، حيث أن انشغالات هذا الكتاب والمسارات التي يشير إليها "تبرهن على اكتظاظ الصندوق السحري للبلاغة بأفكار ومقاربات ومسارات ومنهجيات ورؤى حيّة، تتجدد باستمرار".