يتذكر الأسير المحرر عماد عصفور (43 عاماً) من بلدة يعيد جنوب غربي جنين شمال الضفة الغربية، معاناته وعذاباته كبقية الأسرى، عندما كانوا ينقلون بمركبة النقل الخاصة المسماة "البوسطة" بين السجون والمحاكم الإسرائيلية.
عصفور الذي أفرج عنه قبل نحو ثلاثة أشهر، بعد أن أمضى 20 عاماً في سجون الاحتلال، يروي لـ"العربي الجديد"، عن تعرضه لضرب عناصر القوة الإسرائيلية "النحشون" والمكلفة بقيادة ونقل الأسرى عبر البوسطة، عندما طلب من أحدهم قبل ثلاث سنوات، مساعدة أحد الأسرى بعد إجرائه عملية جراحية في مستشفى "هساف هروفيه" الإسرائيلي.
الأسيرة المحررة منى أبو بكر (35 عاماً)، من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، المفرج عنها العام الماضي بعد اعتقالها سبعة شهور ونصف في سجون الاحتلال، وهي زوجة الأسير المريض بالسرطان الصحافي بسام السايح، تؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "عناصر النحشون" يتعاملون بقسوة مع الأسيرات وبأذى، ودون رأفة بالأسيرات المريضات، كما يزودون زنازين المحاكم الإسرائيلية بكاميرات مراقبة، ولا يسمح للأسيرات بقضاء حاجاتهن، ما يضطرهن للصوم عن الطعام للتخفيف من حدة المعاناة.
قبور متنقلة على شكل حافلة جميلة
البوسطة من الخارج تبدو حديثة وجميلة اللون، لكنها من الداخل مقسمة إلى ثلاثة أقسام، قسم لعناصر وحدة النحشون المجهزون بعتادهم وكلابهم البوليسية، وقسم لأكثر من 20 أسيراً، وقسم ثالث فيه زنازين توضع فيها الأسيرات الفلسطينيات وهن مقيدات بأيديهن وأرجلهن، أو الأسرى من ذوي الأحكام العالية أو المعزولين.
ويصف الكاتب والباحث المختص بشؤون الأسرى ثامر سباعنة لـ"العربي الجديد"، البوسطة بأنها قبور متنقلة يذوق فيها الأسرى أشد العذاب، ويمنعون من الشراب أو قضاء الحاجة، ويجلسون على مقاعد حديدية كل أسير بجانب الآخر وهم مقيدون بعضهم ببعض من أيديهم وأرجلهم.
ويمنع الأسرى جميعاً من الحديث والتدخين أو حتى حمل المصحف الشريف، ويتناولون وجباتهم وهم مقيدون، وتغلق جميع نوافذ البوسطة ما يجعلها كريهة الرائحة، وهي مجهزة بكاميرات مراقبة، في حين تدخل مياه الأمطار من سقفها في أيام الشتاء.
الرحلة التعذيبية يقضي فيها الأسير عدة أيام، خلال نقله من سجن لآخر، أو من السجن إلى المحكمة أو التحقيق أو المستشفى أو العيادات دون مراعاة لأوضاع المرضى أو كبار السن، ويستريح الأسرى لساعات قليلة في محطات بعدة سجون داخل غرف لا تصلح للعيش الآدمي.
يجهز الأسير نفسه قبل يوم أو يومين نفسياً وجسدياً لما سيعانيه داخل البوسطة، إذ تبدأ كل رحلة من الساعة الخامسة فجراً، وحتى وقت متأخر من الليل، بعد أن يتم تفتيش الأسير تفتيشاً عارياً ويجبر على ارتداء لباس خاص بالأسرى بني اللون. ويؤكد سباعنة أن عناصر "النحشون" يتعمدون إيقاف الحافلة عدة مرات دون داع لتأخير الرحلة من أجل تعذيب الأسرى المرهقين، وما يزيد تلك المعاناة حجزهم مع أسرى جنائيين في داخل الحافلة، إضافة لفقدانهم بعض مقتنياتهم.
عناصر النحشون الحاقدون
تعتبر فرقة النحشون (الأفعى) التابعة لشركة أمنية إسرائيلية خاصة من أقسى الفرق القمعية للأسرى، فهم يضربون ويشتمون وينكلون ويشدون وثاق الأسرى "كلبشات" بشكل استفزازي وحاقد.
ويضيف سباغنة أن عناصر "النحشون"، يجري اختيارهم من فئة الشباب الإسرائيليين أعمارهم بين 20 -30 سنة، بينهم بعض المجندات، وتمتاز أجسادهم بالقوة والصلابة، يتلقون تدريبات خاصة، ويحملون السلاح الناري وأدوات خاصة لقمع الأسرى.
وأشار إلى فرق أخرى خاصة بالتنكيل بالأسرى وتفتيش غرفهم، وهي (درور، ومتسادا، واليماز)، إضافة لشرطة السجون الخاصة المسماة "الشاباص"، التي تسيطر على كافة سجون الاحتلال حالياً.
يؤكد مسؤول الإعلام في هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين مجدي العدرة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عدة مؤسسات حقوقية قدمت خلال السنوات القليلة الماضية شكاوى بخصوص نقل الأسرى، لكنها رفضت لدواعٍ أمنية، رغم ما قد تسببه البوسطة من مشاكل صحية للأسرى.