"في هذه اللحظات، يتمدد ألمانيون على الشاطئ، ويقضي إسبانيون إجازتهم في جزر المالديف تحت أشعة الشمس؛ ولكن هنا، في هذا البلد، أنت تلعب في هذا اليوم "البوكسينغ داي"، وهو اليوم الذي لا يجد فيه الكريسماس سوى كرة القدم.
بهذه الكلمات وصف مدرب مانشستر يونايتد الحالي، جوزيه مورينيو، طقس "البوكسينغ داي"، الذي تتميّز به كرة القدم الإنكليزية، أثناء ولايته الثانية لنادي تشيلسي، ليعبّر عن مكانة الكرة الإنجليزية وطقوسها، وينتقد باقي دوريات القارّة العجوز.
و"البوكسينغ داي"؛ هو طقس كروي واجتماعي، خاص بالكرة الإنكليزية، حيث تنشط أندية كرة القدم في إنكلترا في الأسبوع الأخير من السنة، وتلعب ثلاث مباريات في أسبوع أعياد الكريسماس والميلاد، الذي يعتبر إجازة رسمية لباقي الاتحادات الأوروبية.
وتعود تسمية "البوكسينغ داي" إلى تسمية اصطلحت في إنكلترا على يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول من كل سنة، وهو اليوم التالي لسهرة الكريسماس، والذي يقوم فيه أولياء الأعمال بتقديم صناديق الهدايا للعمال والخدم، كما يقوم الأهالي بتقديم الهدايا لأبنائهم، وكذلك يقدّم الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم، الجولة الثامنة عشرة من الدوري للجمهور كهدية في هذه المناسبة الاجتماعية.
وفي هذا اليوم، تخوض جميع الأندية الإنكليزية من جميع الدرجات، مباريات كرة القدم في التوقيت ذاته، كنوع من التأكيد على أهمية هذا الطقس الجماهيري، ولتتحوّل هذه الجولات الثلاث لعيد كروي، يجتمع فيه الجماهير بعد ممارسة طقوس الكريسماس وعيد الميلاد؛ وكانت الجولة الأخيرة من "البوكسينغ داي"، تتم في يوم رأس السنة حتى سنة 1959، ولكنها أجّلت ليوم 2 يناير/ كانون الثاني بعد تلك السنة.
ونظرًا للطابع الاحتفالي لجولات "البوكسينغ داي"، فإن الاتحاد الإنكليزي كان لا يُخضع مباريات هذه الجولات لنظام القرعة، الذي يحدّد الأندية المتنافسة قبل انطلاق الدوري، بل كان يُفضّل في هذه الجولات، ولا سيما في جولة 26 ديسمبر/ كانون الأول، أن يجمع كل فريق بغريمه التقليدي، فتكثر الديربيات في هذه الجولة، ولكن الاتحاد الإنكليزي أعاد نظام القرعة لجولات الـ"بوكسينغ داي"، بعد أن حدث شجار تاريخي في ديربي "شيفيلد" سنة 1979، حيث تشاجر أنصار شيفليد وينزداي مع أنصار شيفليد يونايتد، وتسبب الشجار باعتقال 50 شخصًا، وكان ذلك كفيلًا لإطفاء بريق الاحتفال الكروي.
وعلى الرغم من أهمية طقس "البوكسينغ داي" بالنسبة للإنكليز، إلا أن ازدحام المباريات في فترة أعياد الميلاد، وعدم وجود عطلة يرتاح بها اللاعبون والمدربون، على غرار العطل بباقي الدوريات الكبرى، جعلت أصحاب الشأن ينتقدون هذه الظاهرة، فالمدرب الألماني يورغن كلوب، انتقد هذه الظاهرة الكروية في أوّل مواسمه مع ليفربول، وعزا فشل كرة القدم الإنكليزية في المسابقات الكبرى لهذا الطقس، وقال: "تملك إنكلترا بالفعل العديد من اللاعبين الجيدين، ولكنهم لا يحصلون على راحة طوال العام، بينما يحصل الباقون على راحة، نعم، يمكنك أن تنجح، ولكن الأمر سيكون أكثر صعوبة".
من جهته طالب الهداف التاريخي للمنتخب الإنكليزي، واين روني، بتغيير جداول الدوري الإنكليزي، والتخلّي عن "البوكسينغ داي" لإراحة اللاعبين، وقال: "صعب أن تلعب مباراتين في يومين، أتمنى أن يتغيّر هذا الأمر في المستقبل".
ويبدو أن رغبة الإنكليز بالعودة إلى الأمجاد الغابرة، وحرصهم على البحث عن الألقاب الكبرى، قد تتسبّب بإلغاء طقس "البوكسينغ داي" الجماهيري، ففي السنوات الأخيرة كثرت الإحصائيات الجماهيرية حول أهمية هذا الطقس، وإن كانت استراحة اللاعبين في فترة أعياد الميلاد ستؤثر إيجابيًا على أدائهم في المسابقات الكبرى؛ وجرت أيضًا بعض التعديلات في السنين الأخيرة، ففي هذا الموسم ستلعب في يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول ثماني مباريات فقط في دوري الدرجة الأولى، وستُؤجل مباراتان لليومين التاليين، ورغم تبرير هذا التغيير، برغبة الاتحاد الإنكليزي بوجود مباريات كبرى على مدار الأسبوع، إلا أن البعض يرى أن أي تغيير في الطقس الإنكليزي الكروي قد يكون إشارة إلى إلغائه في المستقبل.
ولكن يبقى السؤال مطروحًا: هل من الممكن تبرير انتكاسة كرة القدم الإنكليزية، وابتعادها عن الألقاب الكبرى منذ سنة 1966، بعدم وجود عطلة في فترة أعياد الميلاد؟ أم أن الإنكليز يبحثون عن سبب يبرّرون فيه هذه الانتكاسة، ووجدوا في "البوكسينغ داي" ضالتهم؟