وتجلى التوتر الداخلي في حزب العدالة والتنمية في توالي تصريحات قياديين أبدوا رفضهم لطريقة تشكيل الحكومة من طرف العثماني، فضلاً عن انتقادات للبرنامج الحكومي الجديد، في ما يشبه مساندة نقدية للحكومة من طرف الحزب الأغلبي. ويبدو أن "العدالة والتنمية"، بخلاف ما كان عليه الأمر في عهد رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، اختار لنفسه، في فترة ولاية العثماني، خطاً غير المساندة والتأييد المطلق لقرارات الحكومة، إذ يميل أكثر إلى مساندة تتسم بكثير من الانتقادات الحادة أحياناً.
هذا التوجه ترجمته مداخلة لافتة قبل أيام، للقيادي في حزب العدالة والتنمية ونائب الأمين العام، عبد الإله بنكيران، سليمان العمراني، داخل مجلس النواب، وجه عبرها عدداً من سهام النقد للحكومة، ما دفع كثيرين إلى التأكيد أن "العدالة والتنمية" يرتدي جبة المعارضة داخل الحكومة. وانتقد العمراني، بحضور العثماني، مواطن الخلل في العمل الحكومي، واضعاً يده على ما سماه "المسار الديمقراطي المعتل للبلاد". كما أنه لم يصمت حيال تداعيات احتجاجات الحسيمة، ولا إزاء اعتقال شباب بتهمة تمجيد قتل السفير الروسي في تركيا. العمراني لم يعتبر انتقاده لبعض الأوضاع في البلاد تنقيصاً من الحكومة الحالية، بل دعماً لها، من أجل أن تكون شريكاً فاعلاً في المجهود المؤسساتي، مشدداً على أن "فريق العدالة والتنمية، رغم تصدره للأغلبية، يساند الحكومة بطريقة ناضجة ونفس اقتراحي ناصح" على حد تعبيره. رهان البعض على حدوث انشقاقات داخل حزب العدالة والتنمية، جراء رفض قيادات لطريقة تشكيل الحكومة، فضلاً عن انتقاد مضامين المخطط الحكومي، يفنده العثماني، الذي يؤمن بوحدة الحزب رغم الاختلافات السياسية الحالية. ويقول العثماني، بصفته رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن حزبه "متمسك بالوحدة والتوحد، بالرغم من كل الآراء والتصريحات والمواقف التي يبدو للآخرين أنها مؤشر على انفراط تماسك الحزب، بينما الأمر الواقع يخالف ذلك". وشدد على أن "العدالة والتنمية" حزب ديمقراطي يفتح صدره الرحب لمختلف الآراء والانتقادات، لكن في المقابل يخضع الجميع للمؤسسات الداخلية التي تفصل في الخلافات، وينضبط الموافق والرافض للقرارات الصادرة عن الأجهزة القيادية للحزب.
ويقول الأستاذ في جامعة مراكش، الدكتور محمد نشطاوي، في تصريحات، لـ"العربي الجديد"، إن المرحلة التي يمر فيها حزب العدالة والتنمية، منذ تشكيل الحكومة، تعتبر دقيقة بالنسبة إلى حاضره ومستقبله. وأوضح أن الأزمة الحالية هي نتاج شعبية الحزب وقدرته على الصمود أمام آليات التحكم رغم تجربته الحكومية، ورغم قراراته اللاشعبية، لاسيما تلك التي مست القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، وعدم قدرته على تنزيل بعض مضامين برنامجه الحكومي، من قبيل محاربة الفساد والحد من الريع الاقتصادي. ورجح ألا تؤدي الأزمة الراهنة داخل "العدالة والتنمية" إلى انشقاق الحزب، نظراً لقوته التنظيمية وتماهي الولاء الديني بالولاء السياسي، لكنها ستفرز داخله، كما هو شأن كل الأحزاب التي تصل إلى الحكم، تيارات، بعضها أقرب إلى السلطة من التنظيم، لاسيما بالنسبة إلى الذين ألفوا امتيازات السلطة وترفها. واعتبر نشطاوي أن شعبية حزب العدالة والتنمية، ومعه شعبية زعيمه عبد الإله بنكيران الجارفة، وكذلك الطريقة التي تمت بها إزاحته عن السلطة، وقبول خلفه بتشكيل الحكومة وموافقته على ما سبق أن تم رفضه من قيادة الحزب تحت حجج واهية، ستكون لها تداعيات، لاسيما لدى شبيبة الحزب وبعض القيادات الغاضبة من سياسة العثماني. وأشار إلى أن "سياسة الحزب الإسلامي اتجهت نحو الارتماء في أحضان أحزاب وتعليمات، يعلم جيداً أنها ستعمل على إفقاده ثقة من صوتوا له"، مؤكداً أن لا صوت يعلو على صوت وإرادة الدولة وأتباعها.