ويقول المواطن الأردني خالد الزعبي الذي اعتاد السفر عبر المعبر، لـ"العربي الجديد"، إنّ هذا المشهد "يتكرّر منذ افتتاح المعبر في 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، فالراغبون في العبور إلى سورية كثر، وعليهم القيام بذلك في ساعات معدودة، من الثامنة صباحاً حتى الرابعة مساءً، وربما قبل الرابعة، ومن يتأخر يبقى مكانه".
وأثناء الحديث مع خالد، ينشب خلاف بين رجلين، فيحمل أحدهما، وهو سائق سيارة سفريات إلى الشام، قطعة معدنية تستخدم لتغير الإطارات لضرب سائق آخر، حاول مزاحمته من أجل الاقتراب أكثر من باب المعبر. ارتفعت الأصوات وتجمّع المواطنون، وتم الفصل بينهما. لكن مثل هذا الشجار يتكرر باستمرار، بسبب قدوم البعض عبر طرق التفافية ليكونوا أقرب إلى الطرف المقابل.
ويوضح خالد أنّ أغلب الراغبين في العبور هم ممن يحملون الجنسية الأردنية، ولا سيما سائقي سيارات السفريات الذين ينقلون الركاب من باب المعبر وإليه، و"البحارة" (وهو تعبير يطلق على الأشخاص الذين يقومون بشراء بضائع من سورية وإعادة بيعها في الأردن، للاستفادة من فارق الأسعار)، وهؤلاء يبحثون عن أرزاقهم، فيما هناك أيضاً مواطنون أردنيون آخرون ممن يزورون أقاربهم في سورية، فضلاً عن سيّاح أردنيين. ويشير خالد إلى أنّ نسبة السوريين العابرين من معبر جابر نصيب لا تصل في أحسن الأحوال إلى ربع عدد الأردنيين.
وبالفعل، خلال التجوّل بين المسافرين، يتضح أنّ عدد السوريين الراغبين في العودة قليل مقارنة بعدد الأردنيين الذين يريدون العبور إلى الجانب الآخر. كذلك يلاحظ أنّ عدد السيدات قليل أيضاً. أمّا الحركة من الجانب السوري فشبه متوقفة، إلا أنّها تبدأ بالزخم بعد الساعة الحادية عشرة، لكن لا تمكن مقارنة المغادرين بأعدادهم الكبيرة، بالعائدين بأعدادهم القليلة.
وحول الصراع على الدور، يقول المواطن الأردني محمد الشبول لـ"العربي الجديد"، "هناك من يقوم بالاصطفاف بعد إغلاق المعبر مباشرةً، للحصول على دور متقدّم في اليوم التالي، وهؤلاء في العادة هم سائقو سيارات السفريات والبحارة".
ويضطرّ الراغبون في زيارة أقاربهم أو تفقّد ممتلكاتهم أو مصالحهم في سورية إلى الوقوف طويلاً في الصفوف الخلفية. ويقول مواطن فضّل عدم ذكر اسمه، "هناك مجموعات كالمافيات، يعملون معاً ويدخلون معاً، وعندما تكون قادماً مع عائلتك أو بمفردك للدخول إلى الشام، تتجنّب التصادم مع هؤلاء الأشخاص"، مضيفاً "من الممكن أن نتأذى أو نتأخّر، لكن هذا لا يخلق أي مشكلة للمعتادين على العبور بشكل يومي وعلى حساب الآخرين".
وبعد نحو أسبوعين على افتتاح معبر جابر نصيب الحدودي، بدأ المعبر يشهد ازدحاماً كبيراً من قبل مئات المركبات والمسافرين، الذين تتزايد أعدادهم بشكل مطرد، فيما تسود حالة من الارتباك والإرباك في الأجواء على الحدود. ويشرح مسافر أردني يدعى أحمد السخني لـ"العربي الجديد" عن صعوبات حركة العبور بالقول، "وصلنا في الثانية عشرة ليلاً إلى المعبر وما زلنا إلى الآن، أي العاشرة والنصف صباحاً، ولم نتحرّك سوى بضعة أمتار".
بدوره، يطالب مواطن أردني آخر يدعى موسى عبيدات، بفتح المعبر لمدة 24 ساعة، مشيراً إلى أنّ "كل المشاكل التي تحصل أمام المعبر مرتبطة بغياب الإدارة، والحل يكمن باستدامة العمل بشكل مستمر، حتى تنتهي هذه الأزمة".
ويلاحظ عدم رغبة كثير من المسافرين عند الحديث معهم في الإفصاح عن أسمائهم، فهناك خوف واضح من ممارسة الحقّ في التعبير أو حتى الشكوى عبر وسائل الإعلام، فالكثير من المواطنين يخافون نقد السلطة أو حتى مجرّد الاعتراض على الخدمات. ويحاول المسافرون الحذر في كل كلمة ينطقونها، فهم ربما يتوجسون من عناصر أمنية تنتشر بين المسافرين، تسجّل لهم كلماتهم ومواقفهم. لكن أيضاً هناك من يتحدّث عن الواقع لإيصال الرسائل بعد أخذ الاحتياطات كافة.
ورغم الأبعاد السياسية لفتح المعبر، لكن الناس أمامه لا يهمهم سوى رزقهم. ويقول أحد "البحارة" إنّ سلطات النظام السوري "بدأت منع إخراج زيت الزيتون واللحوم، وكميات كبيرة من الفواكه إلى الأردن". ويضيف "الآن لم يبقَ فرق كبير سوى بأسعار الدخان والبنزين والملابس، وبعض المواد الغذائية"، مشيراً إلى أنّ "هناك تضييقاً من الجانب السوري على ما يحمله الأردنيون من الشام".
ولتوضيح سبب إقبال الأردنيين على دخول الأراضي السورية للتبضّع منها والتزوّد بالوقود، فقد نشر مواطن فروقات الأسعار لعدد من المواد الغذائية بين البلدين، منها سعر مادة البنزين، إذ يصل سعر الصفيحة منه في سورية إلى 7 دنانير (4200 ليرة سورية) أي ما يعادل 9.86 دولارات أميركية، بينما في الأردن يصل سعرها إلى 17 ديناراً (10200 ليرة سورية) أي أكثر من الضعف. أمّا المواد الغذائية، فيبلغ سعر تنكة الزيت في سورية 50 ديناراً (30 ألف ليرة سورية)، بينما في الأردن 100 دينار (60 ألف ليرة سورية).
ويقول المواطن الأردني أحمد الزعبي، وهو من سكان مدينة الرمثا الحدودية مع سورية، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد أن أغلق المعبر قبل ثلاث سنوات، أصبحت الرمثا مدينة منكوبة، والسكان معدومون، والآن مع فتح المعبر ها هي روح المدينة تعود رويداً رويداً"، مضيفاً "بدأت تعود الحياة إلى الأسواق، وبدأت أمور التجار تتحسّن، وكذلك شركات التخليص، وحركة النقل والبضائع ومحلات الصرافة".
ويتابع الزعبي قائلاً إنّ "البضائع السورية تلقى طلباً من قبل السكان بسبب جودتها وانخفاض أثمانها، وذلك بعد أن غابت لسنوات ماضية بسبب إغلاق معبر جابر نصيب الذي كان يشهد حركة يومية نشطة".
وقرب أحد المحال القريبة من المعبر، يقف مواطن آخر، حيث يقوم بصرف العملات للراغبين إلى الليرة السورية. لم يرد الإفصاح عن اسمه، ومن الواضح أنه يقوم بهذا العمل من دون ترخيص. ويقول لـ"العربي الجديد"، "الحمد لله، نعم نحن نعمل بشكل جيّد"، لكنّ مؤشرات الحديث تكشف أنه ربما يتلاعب بسعر صرف الليرة مقابل الدينار.
بدوره، يقول محمد سليم السمهوري، وهو مالك محل للصرافة وسوبر ماركت في المنطقة، إنّ "القطاع الخاص الأردني يعوّل على إعادة فتح المعبر، وذلك لعودة حركة الصادرات والواردات، مع دول سورية ولبنان وتركيا". ويضيف في حديث مع "العربي الجديد"، "القطاع بدأ يعاني قبل إغلاق الحدود، فقد بدأت المعاناة مع بداية الأحداث في سورية، وحالياً لا يمكن القول إنّ الحركة ستعود كما كانت في السابق، فحركة الشحن تحتاج إلى عودة السفارات الخليجية إلى دمشق من أجل دعم حركة الترانزيت".
وفي السياق، ووفق عاملين في المعبر تحدثا إلى "العربي الجديد"، فإنّ عدد المغادرين يومياً يتراوح بين 2000 و2800 شخص، فيما يتراوح عدد المركبات بين 700 و800 مركبة. أمّا بالنسبة لحركة الشحن، فإنّ الشاحنات التجارية لا تزيد على العشرات حالياً، بينما لا تصل حركة القادمين إلى نصف حركة المغادرين حالياً.
إلى ذلك، ومن المواطنين السوريين الذين التقيناهم عند المعبر، كان عادل التاجي، الذي يقول إنه مستثمر في مجال الصناعات الغذائية في الأردن، وجاء إليه قبل سنوات، وعمله فيه على ما يرام، لكنه ذاهب إلى الشام فقط بغرض الزيارة. ويوضح التاجي "سأزور الشام لمدة أسبوع، وبعد ذلك سأعود إلى عملي في الأردن"، مضيفاً "لا أفكّر حالياً بالعودة، خصوصاً أنّ عملي يسير بشكل جيّد هنا (الأردن)".
أمّا أبو عادل، وهو لاجئ غير نظامي هو وعائلته، فيقول "وصلت إلى الأردن من درعا عندما كانت الظروف الأمنية صعبة، والآن أرغب في العودة بشكل رسمي"، مشيراً إلى أنّ سفارة النظام السوري في عمان "تصدر وثائق سفر لتسهيل العودة حتى وإن لم يكن اللاجئ نظامياً"، موضحاً أنّ "مدة صلاحية هذه الوثائق خمسة عشر يوماً بعد الإصدار". ويضيف "بعد الوصول إلى سورية وتجديد أوراقي الرسمية، سأعود إلى الأردن، من أجل العمل وكسب الرزق".