"العضل" في السعودية لمنع النساء من الزواج

02 مارس 2020
عدد قضايا العضل سنوياً نحو 750 قضية(فاليري شاريفولين/Getty)
+ الخط -

ما زالت المرأة السعودية تحقّق مكاسب، حتى لو لم تكن هي التي تطالب بها مباشرة. ومنها المستجدّ في قضية "العضل"، لا سيّما تطويق تحايل أولياء الأمر على الدعاوى المقدّمة من قبل السعوديات وإتاحة زواجهنّ

تُعَدّ قضية زواج المرأة السعودية واحدة من أبرز القضايا النسوية التي تُطرَح في البلاد في الآونة الأخيرة، وذلك بعد سلسلة إصلاحات أتى بها النظام السعودي لمصلحة المواطنات السعوديات، منها ما يتعلّق بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، وبإسقاط ولاية السفر عنها أي السماح لها بالسفر من دون إذن وليّ أمرها، بالإضافة إلى إصلاح في قوانين حضانة الأطفال بعد الطلاق، وإمكانية قيام المرأة بتسجيل ابنها في بطاقة العائلة، بعدما كان هذا الدور محصوراً بالأب فقط.

و"العضل" أو منع وليّ الشابة السعودية زواجها بحجج شتى من بينها عدم مكافأة المتقدم للزواج لها من ناحية النسب أو الدين، أمر معتبر في الشريعة الإسلامية التي بنيت على أساسها قوانين الأحوال الشخصية في السعودية. ووليها هو والدها في معظم الأحيان، أو شقيقها أو عمّها إذا لم يكن والدها موجوداً. لكنّ قانون المرافعات الشرعية في مادته 39 يسمح للمرأة برفع دعوى قضائية ضدّ أوليائها إذا رفضوا تزويجها، على أن يقوم القاضي بتغيير وليها أو تزويجها بسلطة المحكمة وفق قوانين الشريعة الإسلامية.




وكان المجلس الأعلى للقضاء برئاسة وزير العدل وليد الصمعاني قد أصدر تعليمات وقواعد لمحاكم الأحوال الشخصية في أواخر عام 2019 تقضي بالبتّ بشكل عاجل بقضايا العضل في خلال 30 يوماً فقط من تاريخ رفعها أمام القاضي، فيما يحقّ للأخير تأجيل النظر في القضية لمدّة 10 أيام فقط شريطة وجود سبب يُدوّن في ملفّ القضية، وهو الأمر الذي يحول دون نجاح الحيلة التي كان أولياء كثيرون يلجأون إليها في السابق، وهي تأخير القضية وتعطيلها حتى استسلام الشابة التي رفعت القضية وامتثالها لقرار وليّ أمرها بعدم الزواج. كذلك، أتاحت القواعد أن ينظر طلب المرأة التزويج من دون دعوى في حال غاب عنها أولياؤها بسبب الموت أو عدم الوجود أو الفقدان، وهو ما لم يكون مطروحاً في السابق.

وقد وصفت ناشطات نسويات قرارات وزارة العدل الأخيرة ودعوتها رفع الظلم عن المرأة بعدم إجبارها على الزواج أو منعها منه وتأكيدها في بيان رسمي أنّ المحكمة مخوّلة تزويج النساء، بأنه "نصر عظيم للمرأة السعودية". وتقول سارة المطيري وهي ناشطة نسوية سعودية لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه القرارات خلّفت شعوراً عاماً بالارتياح لدى النساء السعوديات اللواتي عانينَ لفترات طويلة من تسلّط بعض الآباء عليهنّ ورفضهم تزويجهنّ لأسباب عدّة، منها عدم توافق القبيلة أو الوضع الاجتماعي أو رغبة الآباء في الاستفادة من رواتب بناتهم اللواتي يعملنَ كمدرّسات، وهي ظاهرة شائعة في البلاد".

وتحكي المطيري عن سعوديات عديدات منع آباؤهنّ زواجهنّ من دون تقديم أيّ أسباب. واحدة من هؤلاء "في منطقتنا، تقدّم لخطبتها 13 شخصاً من أقربائها وأبناء عمومتها وغير أبناء عمومتها، لكنّ والدها كان يطمع في الحصول على راتبها ورفض تزويجها طوال 15 عاماً قبل أن تتوصّل معه إلى تسوية، وهي أنّها حصلت على قرض مصرفي ضخم باسمها وسلّمته إياه في مقابل أن يوافق على تزويجها". وتوضح سارة أنّ "هذا الابتزاز شائع جداً في القرى والأرياف البعيدة، حيث لا تستطيع المرأة التوجّه إلى المحاكم التي تقع في العاصمة أو المدن الكبرى، بالإضافة إلى انعدام الوعي بالقوانين والأنظمة. لكنّ ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، والحملات المتكررة التي تنظّمها نساء سعوديات لتوضيح خطورة العضل، وقيام السلطات بتعجيل قضايا العضل وتقليص مدّة النظر فيها إلى 30 يوماً أدّت إلى ارتفاع عدد هذه القضايا".

وبحسب ما نقلت صحف سعودية، فإنّ قرار تعجيل النظر في قضايا العضل أدّى إلى حصول أربع سعوديات على حقّ الزواج من المتقدّمين لهنّ، على الرغم من اعتراض أوليائهنّ بعدما قرّرت المحكمة أنّ الأسباب التي تقدّم بها الأولياء لمنع الزواج ليست أسباباً وجيهة. ويبلغ عدد قضايا العضل في السعودية سنوياً نحو 750 قضية، وفقاً لأرقام منشورة في وسائل الإعلام السعودية، لكنّ الخبير القانوني عبد الله الغامدي يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "العدد الحقيقي أكبر بكثير من العدد المعلن. فكثيرات هنّ النساء اللواتي لا يستطعنَ الذهاب إلى المحكمة والتقدّم بشكوى ضدّ أوليائهنّ، خصوصاً مع وجود تضارب في القوانين لأنّ الولي الذي ترفع ابنته دعوى عضل في حقّه يلجأ إلى رفع دعوى عقوق وتغيّب في حقها، الأمر الذي يؤدّي بها إلى دخول دور الرعاية الاجتماعية، وهي سجون للنساء ذات سمعة سيّئة توضع بها النساء اللواتي يشتكي أهلهنّ عليهنّ".

ويرى الغامدي أنّ "الإصلاحات جيّدة لكنّ الطريق ما زال طويلاً، خصوصاً أنّ المطلب النهائي هو إنهاء الولاية على المرأة في الزواج وإمكانية تزويج المرأة نفسها مباشرة، وهذا أمر موجود في الفقه الإسلامي، ويمكن للدولة أن تطبّقه بدلاً من تطبيقاتها رأي واحد في داخل المذهب الحنبلي الذي تقوم عليه تعاليم الدولة السعودية". يضيف الغامدي: "جرّبنا السماح للمرأة باستخراج جواز سفر وبالسفر من دون إذن وليّ الأمر ولم يحدث شيء كبير، فلماذا لا نجرب السماح لها بأن تُزوّج نفسها؟".




من جهتها، تقول ناشطة سعودية فضّلت عدم الكشف عن هويتها لـ"العربي الجديد" إنّ "الخطوة مهمّة والسلطات السعودية ماضية في الإصلاح. لكنّ الإصلاح بالنسبة إليها، لا بد ّمن أن تكون هي وراءه، وليس مستنداً إلى نشاط مدني نسائي. فكلّ نشاط من هذا النوع مصيره التخوين ومصير القائمات عليه السجن. وهذا ما حدث مع لجين الهذلول التي اعتقلت بعد محاولتها إنشاء جمعية تعنى بإسكان وتوعية المعنّفات في منازلهنّ، فاتّهمت بالتخابر مع جهات خارجية وتعرّضت للتعذيب في السجن".