ومن غير المحتمل أن تهز هذه التظاهرات عبد الرزاق الذي نفى ارتكابه أي مخالفة، وصمد أمام الأزمة، معززاً سلطته بشن حملة على المعارضين وفرض قيود على وسائل الإعلام والناشطين.
وقدرت مصادر إعلامية عدد المتظاهرين المعارضين الذين خرجوا تحت شعار "بيرسيه"، والتي تعني النظافة أو النزاهة ويرتدون قمصاناً صفراء، بعشرات الآلاف. وندد المتظاهرون بسياسة رئيس الحكومة، خصوصاً بعد فضيحة الفساد، ما زاد من حدة الخلافات بين الموالاة والمعارضة في ماليزيا. ورفع المشاركون في مسيرات المعارضة أمس خمسة مطالب رئيسية، في مقدمتها إجراء انتخابات نزيهة وتأليف حكومة نزيهة، بالإضافة إلى تعزيز الديمقراطية البرلمانية، وحفظ حق الاختلاف وعدم قمع المعارضين. وحاصر عناصر الشرطة مسيرات المعارضة في مناطق عدة ، وتم نشر حواجز لمنع وصولها إلى جوار مسجد نيحارا، إضافة إلى منطقة داتران أمام محطة ومسجد جامك، أحد أشهر مناطق كوالالمبور، قبل أن تتمكن هذه المسيرات، بعد ساعات، من تجاوز العوائق والوصول إلى هذه المناطق. ويضم ائتلاف المعارضة أتباع رئيس الوزراء السابق، مهاتير محمد، وعدوه اللدود السابق أنور إبراهيم، وحزب العمل الديمقراطي، وغالبيته من ذوي الإثنية الصينية، وأحزاباً إسلامية وأحزاباً أخرى، فيما ارتدى اللون الأحمر أتباع حزب "أمنو"، وهم الموالون للحكومة ورئيسها.
وأكد عدد من الأشخاص تحدث إليهم "العربي الجديد"، في منطقة داتران وسط كوالالمبور، أن التظاهرات هي ضد سياسة رئيس الحكومة تجاه الفساد وقمع الحريات، وتدني مستوى الخدمات، ورفضاً للتضييق على الحريات، بما فيها الإعلامية. وطالب البعض بشكل علني باستقالة عبد الرزاق. وقال عبد الله حامد، أحد المشاركين في تظاهرات المعارضة، لـ"العربي الجديد" إنه غاضب من سياسة نجيب عبد الرزاق، مؤكداً مواصلة الاحتجاجات ضد الفساد ومن أجل إجراء انتخابات نزيهة. وشدد متظاهر آخر على ضرورة إعادة النظر بما يخص رواتب الموظفين، مع تأكيده على تغيير الحكومة بأخرى نزيهة.
وكانت السلطات الماليزية قد نشرت أعداداً كبيرة من الشرطة في الشوارع، وحاولت منع أي صدام بين التظاهرات المعارضة للحكومة والمؤيدة لها. وسبق انطلاق التظاهرات اعتقال أكثر من 10 ناشطين بارزين. وطالبت قيادات ومنظمات، في بيانات، السلطات والشرطة بالإفراج عن الناشطين ورؤساء التجمعات، وفي مقدمتهم رئيسة "بيرسيه" ماريا تشين عبدالله، ورئيس القمصان الحمراء أرماند ازها أبو حنيفة. وأكدت هذه الأطراف أن السلطة انتهكت القوانين الإنسانية وقواعد العمل المدني الإنساني، من خلال مضايقة قادة المجتمعات المدنية، المطالبة بتعزيز نظام الديمقراطية في البلاد. ودافعت قيادات مقربة من الحكومة والشرطة عن عمليات التوقيف، إذ إن الشرطة أوقفت قيادات وناشطين من أنصار القمصان الصفراء والحمراء أيضاً، معتبرين أن ذلك يأتي ضمن مسؤولية الشرطة في حماية أمن البلد.
وشاركت قيادات معارضة بارزة في هذه المسيرات، وفي مقدمتها رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، والذي ارتدى قميصاً أصفر، ملوحاً بالمطالب الخمسة التي طالب بها المتظاهرون. وكان محمد وجه انتقادات حادة لعبد الرزاق وسياسته. وقال مهاتير "فيأتي ويعتقلنا جميعا. سندافع عن قادتنا بمن فيهم ماريا تشين". وأضاف "لم نعد دولة ديمقراطية بل أصبحنا نعرف بأننا كليبتوقراطية. آن الأوان لنتكاتف لإسقاط هذه الحكومة القاسية". ومصطلح كليبتوقراطية يعني نظام حكم اللصوص. وقال نجيب عبد الرزاق، والذي يزور بيرو حالياً لحضور قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبيك)، إن "حركتهم مضللة. من الواضح أن تلك الاحتجاجات في الشوارع هي في الحقيقة المعارضة متخفية في صورة منظمة أهلية مستقلة تعمل للإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطيا".