الرفض يأتي تعبيراً عن خوف دفين لدى الشرق أردنيين من إحلال مكون جديد في البلاد يهدد نسبتهم، إضافة إلى أنه يأتي تعبيراً عن عمق الأزمة الاقتصادية، التي يعانيها الاقتصاد الأردني والتي خلفت جيشاً من العاطلين عن العمل يرفضون أن يمنح اللاجئون فرصاً محتملة للتشغيل على حسابهم.
المصطلح، الذي صنف عندما أطلقه الرئيس على اعتباره "زلة لسان"، أثار سخط الشارع الأردني، الذي رأى في استخدامه محاولة لضرب الهوية الوطنية الأردنية، التي يخشى الحريصون عليها من الذوبان في ظل تزاحم المكونات غير الأردنية على النسيج الاجتماعي الأردني، فيما رأى فيه أعضاء في مجلس النواب الأردني، خلال جلسة رقابية عقدت الثلاثاء، مقدمة لتوطين اللاجئين السوريين في الأردن استجابة لإملاءات غربية، وثمناً لمواصلة الدعم الغربي لاقتصاد المملكة المتعثر.
رئيس الوزراء المعروف بدقته المتناهية وحرصه الشديد على انتقاء مفرداته، لا سيما عند الحديث في القضايا الحساسة، تعمد لحظة إطلاقه المصطلح، خلال مؤتمر صحافي عقده الأحد الماضي للحديث عن نتائج مؤتمر الدول المانحة الذي عقد في لندن، عدم الإجابة أو توضيح دوافع استخدام المصطلح حين نبهه أحد الصحافيين مستغرباً من استخدام المصطلح، كما تعمد خلال الجلسة النيابية عدم تقديم إجابات عن مخاوف العديد من النواب من استخدام مصطلح "المكون السوري"، والتي صبت جميعها في اتهام الحكومة بالعمل على توطينهم.
تعمُّدُ الرئيس مرتين سؤل خلالهما مباشرة عن المصطلح، الذي أسبغه على مليون و265 ألفاً من اللاجئين السوريين في الأردن حسب نتائج التعداد العام للسكان الذي أعلنت مؤخراً، جعل رافضيه يصرون على أن ما قاله الرئيس يتجاوز زلة اللسان، وأنه يأتي لتهيئة الرأي العام الأردني لخطة غير معلنة.
اقرأ أيضاً: ريف دمشق العصي على قوات الأسد...خارطة السيطرة لمصلحة المعارضة
ومع قرب دخول الأزمة السورية عامها السادس، وفي أعقاب المصطلح الذي استخدمه رئيس الوزراء، يظهر حجم التطور في تعامل الأردن مع أزمة اللاجئين، ففي بداية الثورة السورية مطلع مارس/ آذار 2011 كان الأردن يرفض الاعتراف بوجود اللاجئين، وكان يطلق عليهم وصف "الضيوف"، وبرر الأمر حينها بأن غالبية السوريين الذين فروا من بلادهم يرتبطون بعلاقات مصاهرة مع أسر أردنية مكثوا لديها أو ينتمون إلى عائلات وعشائر عابرة للحدود.
استمر الأمر قرابة العام واللاجئون بين وصف "الضيوف" و"الأشقاء"، قبل أن تتضخم أعدادهم بشكل كبير ليصبح إنكارهم كلاجئين شكلاً من أشكال العبث. وقتها حوّلهم الأردن من ضيوف إلى لاجئين، وافتتح في يوليو/ تموز 2012 أول مخيم رسمي لهم، هو مخيم الزعتري للاجئين السوريين. اليوم يثير مصطلح "المكوّن السوري" مخاوف طارئة لدى " أبناء البلد" من تحويل وطنهم إلى وطن بديل للسوريين بعد أن كان خوفهم الدفين من تحويله إلى وطن بديل للفلسطينيين.
وسبق ولادة مصطلح "المكون السوري" حرص زائد من المسؤولين الأردنيين خلال حديثهم عن أزمة اللاجئين السوريين، وانعكاساتها على بلادهم، على الاستشهاد بدراسة أممية تشير إلى أن معدل مكوث اللاجئين يبلغ 17 عاماً، وأن 50 بالمائة منهم لا يعودون إلى بلادهم بعد انتهاء الصراع، وهو ما يضع العديد من التساؤلات حول "زلة لسان" رئيس الوزراء.
الغريب أن النسور الذي تعمد عدم توضيح مصطلحه يدرك تماماً حساسية الحديث عن "المكوّنات"، وخطورة إضافة مكون جديد إلى العديد من المكونات التي يتشكل منها المجتمع الأردني، ويدرك أن تكرر الحديث عن اللاجئين السوريين بصيغة " المكون" سيخلق أزمة تكبر أسرع من كرة الثلج.
اقرأ أيضاً: موقف أردني "ضبابي" من احتمالات التدخل البري في سورية