أعلنت مصالح الإعلام والاتصال في رئاسة الحكومة التونسية أنّه تقرر تأجيل التوقيع على وثيقة الاستقرار والتضامن الحكومي، الذي كان مبرمجا ظهر اليوم، الجمعة، في بيت الحكمة بقرطاج، إلى موعد لاحق، دون ذكر الأسباب، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء التونسية.
ومثلما كان متوقعا، بدأت آثار الجلسة البرلمانية الأخيرة حول ليبيا في الظهور على الائتلاف الحكومي التونسي، بعد انضمام أحزاب مشاركة في الحكومة وتوقيعها على اللائحة التي اقترحها الحزب الدستوري الحر المعارض لإحراج "النهضة" ورئيسها، رئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وكان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ قد دعا، في مايو/أيار الماضي، رؤساء الأحزاب والكتل البرلمانيّة المكونة للائتلاف الحكومي، إلى مأدبة إفطار في قصر الحكومة بالقصبة، حضرها كل من الغنوشي عن النهضة، والأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبّون والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس حركة تحيا تونس يوسف الشاهد، ورئيس كتلة الإصلاح الوطني حسونة الناصفي.
وعرض الفخفاخ على الأحزاب المكوّنة للائتلاف الحاكم وثيقة مكونة من 7 نقاط تحت عنوان "وحدة التضامن الحكومي"، تتضمن حدًّا أدنى من العمل المشترك حكوميا وبرلمانيا.
وتنص هذه الوثيقة، بالخصوص، على "نبذ مطلق لكافة أشكال الخطاب السياسي الهادر لكرامة الناس، والابتعاد عن معجم التخوين والإقصاء والاستئصال، والالتزام بمبادئ الشفافيّة والنزاهة في تسيير المرفق العام ومحاربة كافة أشكال الفساد، والانخراط الكامل في مقاومة كل ما يعيق تقدم البلاد من مظاهر الإرهاب والجريمة والفساد، وكافة أشكال هدر ثروات البلاد ومقدراتها".
كما تلتزم مكونات الاتلاف الحاكم، وفق الوثيقة نفسها، بـ"التضامن الصادق في ما بينهم واعتماد الحوار والتشاركيّة في إدارة الحياة السياسيّة، ودعم استقرار مؤسسات الدولة السياديّة وتضامنها، وتجنب كافة أشكال النزاعات والخلافات التي تشل أجهزتها وتعطل مصالح الوطن والمواطنين"، بالإضافة إلى "التسليم بعلويّة القانون وأحكام القضاء وتحييد المرفق العام، والنأي بالإدارة عن الولاءات والمحسوبيّة (التسميات)".
ونقلت وكالة الأنباء التونسية أن قياديين من أحزاب مشاركة في الائتلاف الحكومي (التيار الديمقراطي وحركة الشعب)، أفادوا بأنّ حركة النهضة تلكأت بخصوص مشروع وثيقة التضامن الحكومي الموسومة بـ"عهد التضامن والاستقرار"، وهو ما أخر التوقيع عليها. وأوضحت أنّ حركة النهضة تمسكت في مفاوضات توقيع هذه الوثيقة بتوسيع الائتلاف الحاكم، ووضعته شرطا للتوقيع عليها.
وكان منتظرا أن ترفض "النهضة" التوقيع على هذه الوثيقة التي جاءت في محاولة من الفخفاخ للحد من الخلافات داخل حكومته. وكانت النهضة في البداية تشترط توسيع الائتلاف بضم قلب تونس وائتلاف الكرامة، ويبدو أن الأمور كانت تسير بشكل جيد قبل الجلسة البرلمانية، الأربعاء، إلا أن ما حدث خلال هذه الجلسة أعاد النهضة إلى مربع الشكوك وزاد من مخاوفها بخصوص مستقبل هذه الحكومة.
فقد صوتت كتل من الائتلاف الحاكم لصالح لائحة عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحر، المعادي للنهضة، ومن بينها حركة الشعب وكتلة الإصلاح وحركة تحيا تونس.
وكان من الطبيعي أن تعيد النهضة حساباتها بخصوص هذا الائتلاف، وخصوصا أن جولات مقبلة من الصراعات لا تزال على أجندات الأحزاب في البرلمان، ومن بينها الدعوة إلى التداول على رئاسة البرلمان سنويا، وعدم الاقتصار على رئيس واحد لمدة خمس سنوات، فيما يحاول آخرون طرح سحب الثقة من الغنوشي أصلا.
وفي الفترة الأخيرة، طاول الاختلاف بين أحزاب الائتلاف الحكومي قوانين طرحتها الحكومة نفسها على البرلمان، وتم إسقاطها وتأجيل بعضها، ما يبيّن بوضوح أن هناك مساران متناقضان بين الحكومة والبرلمان، تريد النهضة أن تجمع بينهما، وإلا فلن يكون هناك معنى للائتلاف.
وبرغم وجاهة هذا الطرح للنهضة في الظاهر، إلا أنه في الواقع لا يبدو مستقيما ولا مستقبل حقيقيا له؛ فالنهضة تدعو إلى توسيع الائتلاف ليشمل حزب قلب تونس بالخصوص، إلا أن هذا الأخير كان أيضا من بين الذين ساندوا لائحة الدستوري في البرلمان، فيما بدا وكأنه تقارب بين أحزاب ندائية (نسبة لنداء تونس)، ودستورية، وتجمعية (نسبة لحزب التجمع المنحل)، وكأنه محاولة إعادة تجميع عائلة سياسية، برغم فشل كل محاولات التجميع السابقة، ولا يتضح كيف يمكن تشكيل ائتلاف حكومي قوي ومتضامن بين كل هذه الأطراف المتصارعة التي لا تجمعها أرضية فكرية وسياسية صلبة.