ضمن أجواء التعديلات الدستورية في مصر، أطلقت الفرقة المصرية المستقلة سابقاً، "مسار إجباري"، دويتو بعنوان "انزل شارك"، مع المغني الشعبي أحمد شيبة، من كلمات ركيكة لـ محمد جمعة؛ ما سبب صدمة كبيرة لمعجبي الفرقة التي عدها جمهورها من المنتمين إلى ثورة يناير، بسبب مشاركتهم بالغناء في الميدان، بالتالي حسبهم الجمهور على تيار المعارضة، رغم عدم تقديمهم لأغانٍ ذات محتوى سياسي مباشر على مدى مشوارهم، عدا "نشيد الثورة"، وتحديدهم لخط يقترب من النمط التجاري في الأغاني، وثباتهم عليه لآخر ألبومين تقريباً، وهو القرب من الإنسانيات بعيداً عن مناقشة المحتوى السياسي والاشتباك مع واقعه بشكل مباشر.
الكليب الذي لم تظهر فيه الفرقة وشيبة، وكان واضحاً أنه مثل الأغنية، تمت صناعته على عجل من أجل الحدث. تباينت الآراء حوله وحول الأغنية، وانقسمت بين من اعتبر الفرقة تعبّر عن رأيها فعلاً؛ أي وجوب المشاركة في الاستفتاء على الدستور، وهو ما لم تقف عنده الأغنية التي تحمل عبر كلماتها رسالة ضمنية بضرورة أن نتعاون من أجل مصر، أي نوافق على التعديل، وبين ملتمسي العذر للفرقة.
الشق الثاني من الجمهور يتلمس العذر انطلاقاً من أننا نعلم جميعاً ما يمكن للفنان أن يضطر إلى فعله تحت ضغوط أمنية، وحتى من أجل مجرد استمرار وجود مساحة لعرض عمله في مقابل المنع من الوجود. يُضاف إلى الفئتين السابقتين، قسم ثالث، يتمثل في الغاضبين الذين تخلوا عن مكانهم في صفوف المعجبين، ويرون أنه لا يجوز لفرقة بهذه القاعدة الجماهيرية الشعبية والقدرة على التمويل الذاتي أن تفعل ما يفقدها احترام الشريحة الأكبر من جمهورها، وتضللهم بهذا الشكل تحت أي ضغوط، وإن كان الأمر حتمياً؛ فالهجرة والعمل من الخارج دائماً خيار لمن يحترم جمهوره.
الحقيقة أن الأمور ليست دائماً بهذه البساطة، والتاريخ الفني، سواء في مصر أو خارجها، يحمل نماذج لقامات فنية تفوق بكثير فرقة متوسطة، مثل "مسار إجباري"، رضخت لرغبات السلطة وأصبحت لسانها. والكتب مليئة بمواقف بين رؤساء مصر وفنانيها ونوادر توضح مدى القهر الذي تقبّله الفنانون في مقابل ما حققوه، ومن أجل الحفاظ عليه، بل ومساعدة الدولة لهم في تحقيقه. كما أن لعملية الهجرة، بحد ذاتها، ثمناً آخر يجب أن تدفعه الفرقة وعائلات أعضائها كاملة. هذا كلّه، طبعاً، إن كان الضغط شديداً لهذه الدرجة. أما خيار الإنتاج من الخارج؛ فهو أمر يبدو واقعياً وحلاً وسطياً مقبولاً.
تفجّرت موجات الغضب، خصوصاً بعد أن نشر مغني الفرقة هاني الدقاق صورة لابنته مصحوبة برسالة مفادها ألّا تصدقي كل ما يقال عني حين تكبرين فقد فعلت ما فعلت لحمايتك، وسخر منها المعجبون مشيرين إلى أن أصحاب الضغط يراقبون حساب الدقاق الشخصي أيضا، ما يجعل هذه الرسالة محاولة ساذجة لابتزاز الجمهور عاطفياً، حتى يتغاضى عن فعل قرّرت الفرقة ارتكابه بكامل الوعي، وتحاول تمريره لجمهورها الآن.
يذكر أن حوادث شبيهة أثارت سخط الجمهور على فرقتي "بلاك تيما" و"شارموفرز"، حين قبلتا الغناء في مؤتمرات تابعة للرئاسة المصرية، و أفقدتهما كثيراً من شعبيتهما مؤخراً، باعتبارهما مواليين للسلطة التي يثور عليها أغلب الشباب الذين هم معظم جمهور هذه الفرق.
ما يتم تداوله في كواليس المشهد الموسيقي المستقل، هو أن منْع حفلات عديدة لمسار خلال الفترة الفائتة، لتسعة شهور تقريباً، و إلغاءها قبيل الميعاد بيوم، كان نتيجة اقتباس مطرب الفرقة لأحد جمل الرئيس المصري أثناء خطاباته، بشكل ساخر خلال إحدى حفلات الفرقة على خشبة مسرح حكومي ينتمي للمؤسسة العسكرية.
كان المنع من إقامة الحفلات هو الرد، وواصلت الفرقة خلال هذه الفترة تقديم الحفلات خارج مصر. يرى البعض أن هذه الأغنية هي الدية التي قدمتها الفرقة للحكومة كي تسمح لها باستمرار عملها في مصر، وهي العقاب الذي توجهّه السلطة، بدورها، لها، والمثال الذي تضربه للفرق الأخرى.
في حين يرى البعض الآخر أن فرقة مثل "كايروكي" تعرضت لنفس التضييق والإزعاج، ولكنها لم تقبل الاستهانة بجمهورها مثل "مسار إجباري"، ولم تحِد عن خطها الواضح منذ الثورة، ولذلك هُم أجدر بالاتباع. نتذكر، أيضاً، سابقة منع حمزة نمرة، وأغانيه من حفلات وإعلام مصر لانتمائه لتيار سياسي معين.