"بطن باريس" عنوان إحدى أشهر روايات الكاتب الفرنسي إيميل زولا (1840 – 1902)، وهي أحد أجزاء سلسلته "أسرة روغون ماكار". كان أبرز ما يمّيز هذه الرواية التي صدرت في 1873، أنها تعالج موضوع التغيّر العمراني الذي تعيشه باريس، حيث تُظهر أثر هذه التحوّلات على الشخصيات.
انطلاقاً من هذه الرواية، تنظّم "جمعية زيغزاغ" جولة ثقافية اليوم الأحد تحاول أن ترصد الأماكن التي دارت فيها الرواية وكيف صارت اليوم. تعدّ منطقة "لي آل" وسط باريس الفضاء الأكثر حضوراً في الرواية، وهي منطقة سكنية كانت مخصّصة للبورجوزية الصغيرة قبل أن تشهد تحوّلات جذرية في معمارها وتركيبتها السكّانية، حيث أنها اليوم من أكبر التجمعات التجارية وتكاد تكون خالية من السكّان الثابتين، فنظراً لغلاء الأسعار العقارية باتت "لي آل" حياً لا يمكن أن تحضر فيه إلا الشركات والفنادق.
نجد بذور هذه التحوّلات في الرواية، فإضافة إلى الشخصيات الرئيسية لعمله، استدعى زولا المعماري فيكتور بالتار وصوّره كرجل سلطة فرض تصوّراته على الحيّ، وبالتالي أثّر في شخصيات الرواية وحوّل وجهتها، بما في ذلك من قراءة عميقة يقترحها الأدب لعلاقة الإنسان ببيئته المعمارية.
هكذا فإن الجولة المعمارية المقدّمة اليوم تتضمّن قراءة إشكالية في تاريخ باريس تجد منطلقاتها في عمل أدبي. ويمكن هنا الإشارة إلى تعدّد هذا النوع من المبادرات الثقافية في فرنسا مؤخراً، حيث يجري الاستناد إلى رؤى جديدة للتنزّه داخل المدينة بعيداً عن المعالم المكرّسة مثل برج إيفل وقوس النصر والبانتيون وشارع الشانزيليزيه، من ذلك جولة أقيمت مؤخراً لأبرز أعمال الغرافيتي باعتبارها معالم جديدة في باريس خصوصاً أعمال بانكسي وإنفيدر وإل سيد، كما أقيمت جولة من منطلق أن باريس تمثّل فضاء تقاطع مع تاريخ الحركة النسوية.
تقترح مثل هذه الجولات جمعياتٌ مدنية تستدعي لها في الغالب باحثين ومؤرّخين ومختصّين في المعمار والأدب وتاريخ الفن، حيث لا يخفى أن مسار جولة مثل "بطن باريس" تحتاج إلى شخص عارف في نفس الوقت بالعالم الأدبي لزولا وبتاريخ باريس المعماري.
هذا النوع من الجولات لا يزال شبه غائب في المدينة العربية حيث تهيمن الجولات التي تعبر بالسيّاح من نقاط معروفة، في وقت يمكن تطويع هذه الجولات لأفكار أخرى، مثل الاستفادة من اشتغال نجيب محفوظ على بعض أحياء القاهرة، أو عبد الرحمن منيف على عمّان منتصف القرن العشرين أو بغداد خلال القرن التاسع عشر.
في ما عدا هاتين المدوّنتين، وبعض الأعمال العربية الأخرى، لعلنا نلاحظ غياب الاهتمام بالتأريخ للمكان عبر الرواية، فكم عدد الروايات العربية التي يمكن أن تكون وثيقة على اندثار روح المكان، خصوصاً في ظل ما تشهده المدن العربية من تشوّهات بسبب التضخّم السكّاني والتلوّث وإهمال التراث المعماري.