يصادف هذا العام الذكرى مئتين وعشرين لولادة الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين (1799 - 1837)، وليست روسيا وحدها التي تحتفي به حيث أن عدّة مدن تقيم فعاليات تستعيده، وقد جرت العادة أن تهدي موسكو -على اختلاف الأنظمة السياسية المتعاقبة- تمثال شاعرها إلى بلدان عديدة مثل العراق ومصر وأثيوبيا وأرتيريا وإسبانيا والهند وغيرها. وضمن سياق هذه الاحتفاءات، يقام معرض "بورتريهات بوشكين" في "المركز الروسي للعلوم والثقافة" في باريس، والذي يتواصل حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري.
يُذكر أن المتحف الرسمي في روسيا يحمل اسم الشاعر حيث أنه شُيّد في مئوية رحيله الأولى وقد جعل من بين مهامه جمع الأعمال الفنية التي تستلهم بوشكين، وهي تعدّ اليوم أكثر من أربعة آلاف عمل فني حول شخصيته ونصوصه، نُقل الكثير منها إلى عواصم أخرى لغاية عرضها، لكن ما يميّز المعرض الباريسي أنه يضمّ لوحات جرى اقتناؤها من فرنسا، ومنها لوحة للرسام كزافييه دي ميستري التي يُعتقد أنها أول رسم لبوشكين طفلاً.
لكن بشكل عام كان معظم الذين شغفوا برسم صاحب "الفارس النحاسي" فنانين روسيين، منهم إيفان إيفازوفسكي، وإيليا ريبين، وفالنتين سيروف، ومارك أنتوكولسكي، وباولو تربيتزكوي، وفلاديمير فافورسكي، وأليكسي كرافشينكو، وأركادي بلاستوف.
لا يزال "متحف بوشكين" يجمع إلى اليوم بورتريهاته، سواء منها حديثة الإنجاز أو تلك التي يجري العثور عليها وتعود لأزمنة سابقة، مثلما حدث العام الماضي حين اكتشف الخبراء بورتريهاً لبوشكين رسمه كوزما سيرغيفيتش بيتروف فودكين (1878 - 1939) في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي بعد أن اعتبر هذا البورتريه مفقوداً منذ ثمانية عقود.
يُعرض أيضاً رسم للفنان ييغور غيتمان الذي تجاور مع قصائد "سجين القوقاز" التي نشرها الشاعر عام 1822، حين كان منفياً في الجنوب الروسي، ووصف فيها الطبيعة التي يحياها الشركس وتقاليدهم وتوقهم للحرية.
من أهم اللوحات تلك التي قيل أن بوشكين وافق أن يقف أمام أصحابها كي يرسموه، وهنا نعدّ لوحتين؛ الأولى لـ أوريست كيبرنسكي، والثانية لـ فاسيلي تروبينين، ورغم التفاوت في مستواهما الفني إلا أن اللوحتين ثبتتا الهيئة التي سيظهر بها في معظم الأعمال اللاحقة مهيباً وغارقاً في أفكاره كانعكاس للمكانة التي حلّ بها الشاعر سواء في وجدان الشعب الروسي أو حضوره في الحياة الثقافية، بعد أن بدا لفترة طويلة شاباً رومانسياً بذقن حادة.
ترسخّت صورة محدّدة لصاحب "التراجيديات الصغيرة" هيمنت على جميع الأعمال والرسوم التي كانت تُنشر في المطبوعات الروسية والأوروبية، وظلّ الأمر كذلك حتى النصف الثاني من القرن الماضي حين ظهرت أعمال فنية جديدة تحاول أن تستعيد الشاعر الروسي بملامح مختلفة، وهو ما يقدّم المعرض نماذج منها.
يضمّ المعرض أيضاً لوحة للفنان الإنكليزي توماس رايت رسمها عقب رحيل بوشكين بأشهر قليلة، ورسومات للفنان الروسي نيكولاي أوتكين تضمّنها أول كتاب طبع للشاعر بعد عام من رحيله، إلى جانب عمل للأخوين فيكتور وأبوليناري فاسنيتسوف يعدّ من أشهر رسوماته.