منذ عقود قليلة، باتت المعاجم موضوع بحث نشيط في مختلف ثقافات العالم، ومنها الثقافة العربية التي تُعدّ من أعرق الثقافات اهتماماً بالمعاجم وصناعتها، وإن كانت اليوم قد تأخّرت مقارنةً بثقافات غربية كثيرة اعتمدت على مناهج جديدة في تطوير أدائها المعجمي استناداً إلى حقول اللسانيات والعلوم الاجتماعية والتقنيات الحديثة.
تُعدّ الثقافة الفرنسية أيضاً إحدى الثقافات التي نقف فيها على اهتمام مكثّف بالمعاجم، وذلك منذ خمسة قرون، ضمن افتتان معروف لدى النخب الفرنسية بلغتها، ومحاولة فئات من هذه النخب حماية الفرنسية من المؤثرات الخارجية، خصوصاً الإنكليزية، منذ النصف الثاني من القرن العشرين.
"تاريخ المعاجم: ليس نهراً طويلاً وهادئاً" عنوان محاضرة تلقيها غداً الأحد الباحثة الفرنسية آن مرزان في "مكتبة لوكسمبروغ" في باريس، حيث تفكّك فيها الكثير من المعتقدات حول المعاجم، والتي تؤثّر على مجمل الحياة الثقافية، على اعتبار أن المعجم مادة يستعملها الجميع، من الطفل في مرحلة الدراسة إلى أبرز الكتّاب والعلماء.
تقوم فكرة مارزان الرئيسية حول المعاجم على ضرورة القطع مع الاستعمال المنفعي للقواميس، فهي ليست مجرّد أداة نستعين بها حين لا نعرف معنى كلمة، بل هي أكثر من ذلك خزّان لغة، وبالتالي خزّان للثقافة بأسرها من تمثلات فكرية ونفسية واجتماعية، وحتى عقائدية.
المنطق الأداتي في استعمال المعجم يُظهره وكأنه شيء ثابت، وهو ما تجابهه الدراسات المعجمية الحديثة، حيث تنطلق من كون القواميس كائنات حية متحرّكة تُظهر التراكم الثقافي عكس التصوّر الثبوتي الذي يجعل منها أقفاصاً للغة.