01 يونيو 2017
"تسييس التعاطف" بين الأسد وضحاياه
في بدايات الثورة السورية، ومع تداول صور وفيديوهات المظاهرات الأولى المناهضة للأسد، كانت رواية النظام السوري بسيطة ومتناقضة. فهو من جهة أكد أن ما يُنشر عبر وسائل الإعلام صور وفيديوهات "مفبركة"، بل اتهم بصورة مباشرة فضائيات عربية بفبركة المظاهرات في استوديوهاتها بعيداً عن الأراضي السورية. وتحدث مقربون من النظام آنذاك عن "مجسّمات" لمدن سورية في قنوات عربية لتصوير مظاهراتٍ "لم تحدث".
وفي الوقت نفسه، كان النظام السوري يروّج فكرةً تناقض رواية "الصور والفيديوهات" المفبركة، فكان يتحدّث عن متظاهرين مدفوعين من قوى جهادية متشدّدة، استلموا أموالاً من "قوى إقليمية ودولية" مناهضة لـ "الممانعة والمقاومة"، فهو نفى وجود المظاهرات وأثبتها في اللحظة ذاتها.
بعد خمس سنوات على كل ما يحدث، لم تختلف رواية النظام. وعندما عرض مذيع التلفزيون السويسري على الأسد صورة عمران العام الجاري، أجاب أن الصورة "زائفة"، وأن عمران "تم إنقاذه مرتين في حادثين مختلفين"، وأن الطفل "قناع لجبهة النصرة، ومن يصفهم الغرب بالخوذ البيضاء"، وأن الصورة "جزء من الدعاية الغربية".
لا يبدو الأمر مختلفاً عن إنكار الأسد مجازره في سورية، فهو أكّد أيضاً، في أوقات سابقة، عدم معرفته بـ "البراميل المتفجرة" متحدثاً عن "تعريف القنابل" على عادته في السفسطة والتلاعب في الكلمات.
لم يتغير نموذج الأسد اليوم في إنكار جرائمه، واعتبار الحديث عنها جزءاً من منظومة الدعاية الغربية ضد "نظام الممانعة". بل تطور عند أتباع الأسد لاعتبار أي تعاطف مع ضحايا الأسد غطاءً لجبهة النصرة، أو تنظيم الدولة الإسلامية، الجهات التي ارتكبت جرائم بدورها من دون شك.
اعتنق أتباع الأسد نموذجه، فاستمروا في وصف ما يحدث بـ "الفبركات" الإعلامية، واقتناص أي خطأ إعلامي، هنا أو هناك، في استخدام صورةٍ خارج الأراضي السورية، لوصف المجزرة في حلب، باعتباره طريقاً لنفي المجزرة نفسها.
ولا حاجة هنا لتقرير أن زيف صورةٍ لا يدحض صدقية المشهد ككل، إلا إذا كانت هذه الصورة المعبّر الوحيد عن الواقعة، كأن نتحدّث عن جريمة اغتصابٍ فردية، فمن المفهوم أن كشف زيف صورة إثباتٍ سيطعن في كل القصة. لكن، عند توالي آلاف الصور والفيديوهات، فإن الحديث عن صورة أو اثنتين زائفتين ما هو إلا اتباع لنموذج الأسد في إنكار جرائمه، والتلاعب في الألفاظ.
حاول "المتعاطفون مع الأسد" استخدام طريقةٍ أخرى لرفض التعاطف مع ضحاياه. باعتبار التعاطف "ملوّثاً سياسياً"، ويهدف إلى "ترسيخ أجندة سياسية محددة". وهنا، نحن أمام مأزق آخر يضع فيها من يردّدون هذه الفكرة أنفسهم، خصوصاً إذا كانوا يرفضون تصنيفهم في خانة داعمي الأسد، فالمتحدثون عن تعاطف ملوث سياسياً ينفون وجود تعاطفٍ بلا أجندة مخفية. وبالتالي، يكون الرفض موجهاً إلى التعاطف نفسه، لأنه لا يكون إلا مسيساً.
وتنطلق هذه الرؤية من فصل جذري للأخلاق عن السياسة، فالسياسة كلها لا أخلاقية، والتعاطف مع الضحايا عمل مسّيس، وبالتالي، التعاطف نفسه لا أخلاقي.
يقع مرددو هذه الفكرة في مأزقٍ أكبر. فإذا كان التعاطف مع الضحايا مسيّساً وغير أخلاقي، فالطعن في التعاطف أيضا فعل سياسي لا أخلاقي. ويصبح الفرق، إذا اعتنقت هذه الفكرة، أن التعاطف مع الضحايا موقفٌ موجّه للطرف الأضعف في المعادلة، بينما الطعن في التعاطف يصب لصالح الطرف الأقوى، أي الأسد ومليشياته والدول الداعمه له.
الثورة برمتها فعل سياسي، والحرب الأهلية كذلك. وجرائم إرهاب الدولة ضد مواطنيها فعل سياسي، ومقاومة هذا الإرهاب أيضا. والنشر عن الجرائم وعن الضحايا فعل سياسي، ورفض هذا النشر أيضا. الحديث هنا عن التسييس باعتباره رذيلةً بحد ذاتها، يصب في اتجاه مقولة مشهورة في الخليج، منسوبة لعضو في مجلس الأمة الكويتي، إذ قالت ذات مرة "لا تسيّسوا السياسة".
وفي الوقت نفسه، كان النظام السوري يروّج فكرةً تناقض رواية "الصور والفيديوهات" المفبركة، فكان يتحدّث عن متظاهرين مدفوعين من قوى جهادية متشدّدة، استلموا أموالاً من "قوى إقليمية ودولية" مناهضة لـ "الممانعة والمقاومة"، فهو نفى وجود المظاهرات وأثبتها في اللحظة ذاتها.
بعد خمس سنوات على كل ما يحدث، لم تختلف رواية النظام. وعندما عرض مذيع التلفزيون السويسري على الأسد صورة عمران العام الجاري، أجاب أن الصورة "زائفة"، وأن عمران "تم إنقاذه مرتين في حادثين مختلفين"، وأن الطفل "قناع لجبهة النصرة، ومن يصفهم الغرب بالخوذ البيضاء"، وأن الصورة "جزء من الدعاية الغربية".
لا يبدو الأمر مختلفاً عن إنكار الأسد مجازره في سورية، فهو أكّد أيضاً، في أوقات سابقة، عدم معرفته بـ "البراميل المتفجرة" متحدثاً عن "تعريف القنابل" على عادته في السفسطة والتلاعب في الكلمات.
لم يتغير نموذج الأسد اليوم في إنكار جرائمه، واعتبار الحديث عنها جزءاً من منظومة الدعاية الغربية ضد "نظام الممانعة". بل تطور عند أتباع الأسد لاعتبار أي تعاطف مع ضحايا الأسد غطاءً لجبهة النصرة، أو تنظيم الدولة الإسلامية، الجهات التي ارتكبت جرائم بدورها من دون شك.
اعتنق أتباع الأسد نموذجه، فاستمروا في وصف ما يحدث بـ "الفبركات" الإعلامية، واقتناص أي خطأ إعلامي، هنا أو هناك، في استخدام صورةٍ خارج الأراضي السورية، لوصف المجزرة في حلب، باعتباره طريقاً لنفي المجزرة نفسها.
ولا حاجة هنا لتقرير أن زيف صورةٍ لا يدحض صدقية المشهد ككل، إلا إذا كانت هذه الصورة المعبّر الوحيد عن الواقعة، كأن نتحدّث عن جريمة اغتصابٍ فردية، فمن المفهوم أن كشف زيف صورة إثباتٍ سيطعن في كل القصة. لكن، عند توالي آلاف الصور والفيديوهات، فإن الحديث عن صورة أو اثنتين زائفتين ما هو إلا اتباع لنموذج الأسد في إنكار جرائمه، والتلاعب في الألفاظ.
حاول "المتعاطفون مع الأسد" استخدام طريقةٍ أخرى لرفض التعاطف مع ضحاياه. باعتبار التعاطف "ملوّثاً سياسياً"، ويهدف إلى "ترسيخ أجندة سياسية محددة". وهنا، نحن أمام مأزق آخر يضع فيها من يردّدون هذه الفكرة أنفسهم، خصوصاً إذا كانوا يرفضون تصنيفهم في خانة داعمي الأسد، فالمتحدثون عن تعاطف ملوث سياسياً ينفون وجود تعاطفٍ بلا أجندة مخفية. وبالتالي، يكون الرفض موجهاً إلى التعاطف نفسه، لأنه لا يكون إلا مسيساً.
وتنطلق هذه الرؤية من فصل جذري للأخلاق عن السياسة، فالسياسة كلها لا أخلاقية، والتعاطف مع الضحايا عمل مسّيس، وبالتالي، التعاطف نفسه لا أخلاقي.
يقع مرددو هذه الفكرة في مأزقٍ أكبر. فإذا كان التعاطف مع الضحايا مسيّساً وغير أخلاقي، فالطعن في التعاطف أيضا فعل سياسي لا أخلاقي. ويصبح الفرق، إذا اعتنقت هذه الفكرة، أن التعاطف مع الضحايا موقفٌ موجّه للطرف الأضعف في المعادلة، بينما الطعن في التعاطف يصب لصالح الطرف الأقوى، أي الأسد ومليشياته والدول الداعمه له.
الثورة برمتها فعل سياسي، والحرب الأهلية كذلك. وجرائم إرهاب الدولة ضد مواطنيها فعل سياسي، ومقاومة هذا الإرهاب أيضا. والنشر عن الجرائم وعن الضحايا فعل سياسي، ورفض هذا النشر أيضا. الحديث هنا عن التسييس باعتباره رذيلةً بحد ذاتها، يصب في اتجاه مقولة مشهورة في الخليج، منسوبة لعضو في مجلس الأمة الكويتي، إذ قالت ذات مرة "لا تسيّسوا السياسة".