21 أكتوبر 2024
"تعب المشوار"
"المقصوفة بيلبقلها".. كان جواب خطيب المسجد، حين قال له أحد المصلين، ردا على خطبته التي حضت النساء على الاحتشام: .. ولكن ابنتك تخرج إلى الشارع بلباس غير محتشم، يا شيخ؟ نكتة أردنية قديمة تنقد، بأسلوب ذكي ولاذع، ازدواجية معايير بعضهم ممن يبيحون لأنفسهم، ولمن يريدون، ما يستكثرونه على الآخرين، ويتفننون لهذه الغاية في ابتكار المبرّرات والذرائع الواهية، ويبدون أكبر قدر من التسامح والتفهم الانتقائي، في ترجمةٍ حرفيةٍ للمثل الشعبي البليغ "عيبة الغني مخفية وجنازة الفقير منسية". ذلك أنه، في منظومة القهر والظلم، يتم الاستقواء على المواطن الضعيف، وتضخيم أفعاله، وتحميله أوزارا باهظة، فيما يجد الغني من يبرع في إخفاء عيوبه، بل وتجميلها ومنحها بعدا رومانسيا.
حدث أخيرا، حين خان التعبير يوسف الدلابيح، المسشار السابق للملك عبدالله الثاني، وأطلق وصف الغنم على الشعب الذي يحظى بحب الراعي وحنانه، تعرّض لانتقادات شديدة في بادئ الأمر. خفت حدّتها تدريجيا، بسبب أقلام غير قليلة انبرت للدفاع عن "الباشا"، وتبرير ما قاله باعتباره زلة لسان، وتعبيرا عفويا عن طيبةٍ وبساطةٍ، لا يستدعيان كل ذلك الغضب، متذرعين بأنه لم يقصد أي إساءة من أي نوع. وكما يحدث في العادة، انشغل الناس في الحكاية بضعة أيام وانتهى الأمر.
بعد ذلك بأيام، حدث أن مذيعا أردنيا عاثر الحظ ارتكب خطأ فنيا في أثناء محاولته ذكر اسم الموقع الإلكتروني الذي نشرت عليه نتائج امتحان التوجيهي، فأخفق وذكر اسم الموقع معكوسا. وهو خطأ ليس قاتلا، إذ لم تنجم عنه خسائر في الأرواح والممتلكات، كما أن تلك الهفوة غير مسيئة، ولا تمس كرامات الناس ومشاعرهم. ومع ذلك، علقت المشانق الافتراضية في الفضاء الأزرق بلا رحمة، بحق الرجل، وبات مضغةً سائغةً على صفحات السفهاء، من رواد مواقع التواصل يتنافسون على الفتك به، والحط من شأنه، وتوجيه أقسى العبارات وأقبحها في سياق التظارف والسخرية الفجة.
المفارقة المؤسفة التي تثير العجب، وتضع العقل في الكف، كما يقال في الدارجة الشامية، إن الأقلام التي انبرت للدفاع بشراسة انتصارا لهفوة الباشا هي نفسها التي هبت، بشكل طوعي ومن باب تزجية الوقت، قذعا وهجاءً وسخرية من المذيع المنكوب، مصرّة على رفض اعتذاره، ولم تتوقف منشوراتهم الفجّة الغاضبة، حتى تم التشهير به على أوسع نطاق، وجرى القضاء على مهنته، حين اتخذ قرار في إدارة التلفزيون بنقله إلى وظيفة أدنى، بعيدا عن محل سكنه! عندها هدأت النفوس الساهرة بعبثية على صفحات "فيسبوك"، وبدأ الضجر يتسلل إليها، انتظارا لسقوط ذبيحة جديدة، كي تتكالب السكاكين عليها نهشا وتقطيعا.
وفي السياق نفسه، يرفع رئيس مجلس النواب الأردني السابق، سعد هايل السرور، شكوى جزائية، بتهمة القدح والذم، تصل عقوبتها، في حال ثبوتها، إلى السجن، بحق مواطنةٍ علقت على منشورٍ له بكلمة طريفة، يستخدمها الأردنيون كثيرا في سياق السخرية والتعبير عن عدم التصديق "يا هملالي" بمعنى يا فرحتي . وسينظر القضاء في فعلة المواطنة التي تطاولت بهذه المفردة الخطيرة على مقام رئيس نواب الشعب. ومن المتوقع أن يتخذ بحقها أقصى عقوبة ممكنة، لكي تكون درسا وعبرة لكل من تسوّل له نفسه التعبير عن سخط أو قهر أو امتعاض، حتى لو تطاول نجل مسؤول رفيع في الحكومة، ووجه الإهانات للشعب، في تغريدةٍ، دفاعا عن والده، مقترحا على من لا يعجبه الأمر الرحيل عن البلد. هكذا ببساطة. ولم يفكر رئيس مجلس النواب، أو أي من أعضاء المجلس، بمقاضاته بتهمة تحقير وذم شعب بأكمله!
صدق الراحل فؤاد غازي، حين تساءل ذات أغنية حزينة "وعلى وين الدرب مودينا"، لأنه حقا تعب المشوار، ولم تكفّي عن الجنون، أيتها الدار.
تعب المشوار.
حدث أخيرا، حين خان التعبير يوسف الدلابيح، المسشار السابق للملك عبدالله الثاني، وأطلق وصف الغنم على الشعب الذي يحظى بحب الراعي وحنانه، تعرّض لانتقادات شديدة في بادئ الأمر. خفت حدّتها تدريجيا، بسبب أقلام غير قليلة انبرت للدفاع عن "الباشا"، وتبرير ما قاله باعتباره زلة لسان، وتعبيرا عفويا عن طيبةٍ وبساطةٍ، لا يستدعيان كل ذلك الغضب، متذرعين بأنه لم يقصد أي إساءة من أي نوع. وكما يحدث في العادة، انشغل الناس في الحكاية بضعة أيام وانتهى الأمر.
بعد ذلك بأيام، حدث أن مذيعا أردنيا عاثر الحظ ارتكب خطأ فنيا في أثناء محاولته ذكر اسم الموقع الإلكتروني الذي نشرت عليه نتائج امتحان التوجيهي، فأخفق وذكر اسم الموقع معكوسا. وهو خطأ ليس قاتلا، إذ لم تنجم عنه خسائر في الأرواح والممتلكات، كما أن تلك الهفوة غير مسيئة، ولا تمس كرامات الناس ومشاعرهم. ومع ذلك، علقت المشانق الافتراضية في الفضاء الأزرق بلا رحمة، بحق الرجل، وبات مضغةً سائغةً على صفحات السفهاء، من رواد مواقع التواصل يتنافسون على الفتك به، والحط من شأنه، وتوجيه أقسى العبارات وأقبحها في سياق التظارف والسخرية الفجة.
المفارقة المؤسفة التي تثير العجب، وتضع العقل في الكف، كما يقال في الدارجة الشامية، إن الأقلام التي انبرت للدفاع بشراسة انتصارا لهفوة الباشا هي نفسها التي هبت، بشكل طوعي ومن باب تزجية الوقت، قذعا وهجاءً وسخرية من المذيع المنكوب، مصرّة على رفض اعتذاره، ولم تتوقف منشوراتهم الفجّة الغاضبة، حتى تم التشهير به على أوسع نطاق، وجرى القضاء على مهنته، حين اتخذ قرار في إدارة التلفزيون بنقله إلى وظيفة أدنى، بعيدا عن محل سكنه! عندها هدأت النفوس الساهرة بعبثية على صفحات "فيسبوك"، وبدأ الضجر يتسلل إليها، انتظارا لسقوط ذبيحة جديدة، كي تتكالب السكاكين عليها نهشا وتقطيعا.
وفي السياق نفسه، يرفع رئيس مجلس النواب الأردني السابق، سعد هايل السرور، شكوى جزائية، بتهمة القدح والذم، تصل عقوبتها، في حال ثبوتها، إلى السجن، بحق مواطنةٍ علقت على منشورٍ له بكلمة طريفة، يستخدمها الأردنيون كثيرا في سياق السخرية والتعبير عن عدم التصديق "يا هملالي" بمعنى يا فرحتي . وسينظر القضاء في فعلة المواطنة التي تطاولت بهذه المفردة الخطيرة على مقام رئيس نواب الشعب. ومن المتوقع أن يتخذ بحقها أقصى عقوبة ممكنة، لكي تكون درسا وعبرة لكل من تسوّل له نفسه التعبير عن سخط أو قهر أو امتعاض، حتى لو تطاول نجل مسؤول رفيع في الحكومة، ووجه الإهانات للشعب، في تغريدةٍ، دفاعا عن والده، مقترحا على من لا يعجبه الأمر الرحيل عن البلد. هكذا ببساطة. ولم يفكر رئيس مجلس النواب، أو أي من أعضاء المجلس، بمقاضاته بتهمة تحقير وذم شعب بأكمله!
صدق الراحل فؤاد غازي، حين تساءل ذات أغنية حزينة "وعلى وين الدرب مودينا"، لأنه حقا تعب المشوار، ولم تكفّي عن الجنون، أيتها الدار.
تعب المشوار.