حين يقول الحبّ كلمته
تتعرّض النساء في مجتمعاتنا التقليدية النمطية المُتخلّفة للنقد الشديد، وللسخرية والاستهزاء، إذا ما قرَّرن الاقتران برجالٍ يصغرونهن سنّاً، ويُنظَر بعين العطف والشفقة للرجل المخدوع المُضلَّل، الذي تورَّط في صفقة خاسرة كهذه، وتكون دوافعه بالنسبة للمجموع مثار شكّ وريبة، فلا يستبعدون فكرة الطمع بثروة المرأة إذا كانت ميسورةَ الحال، أو ذات موقع اجتماعي رفيع، أو صاحبة شهرة في مجالها.
وقد حدث أنّ تعرَّضت المُخرِجة السورية رشا شربتجي (47 عاماً) لعاصفة من النقد والتجريح بسبب زواجها من ممثِّل يصغرها بعشرين عاماً، وعلّق كثيرون بأنّ الشابَّ الوسيم طامعٌ في نفوذها مُخرِجةً قادرةً على تحقيق نجوميته بزمن قياسي. كذلك، تكرّر الأمر مع الممثّلة الأربعينية نادين تحسين بيك، حين تزوَّجت هي الأخرى ممثِّلاً تكبره بعشرين عاماً، فلم تسلم من السخرية والتعليقات المسيئة والانتقادات اللاذعة، إذ وضع أصحاب التعليقات العبقرية احتمالية الطمع في الثراء والشهرة، واستبعدوا تماماً احتماليةً أكثرَ بساطةً مثل الوقوع في الحُبّ، الذي يُلغي الفوارق، ويُقرّب الأرواح، ويلوّن الحياة، ويُضفي عليها الألق والتجدّد والحيوية، ويجعل المستحيل ممكناً. المفارقة أنّنا لو عكسنا الأمر واقترن رجلٌ خمسينيٌّ مثلاً بعشرينية، فإنّ الجميع سوف يغبطه ويعتبره رجلاً حكيماً انطلاقاً من المثل الشعبي الذكوري "يا ماخد الزغار يا غالب التجّار". وبديهيٌّ أنّ هذا المثل ينطبق على معشر الرجال حصراً، ولا يحقّ للنساء بالمنطق الذكوري البائس أن يغلبن أحداً، بل عليهن أن يبقين مغلوبات مصادرات الإرادة مُقيَّدات القرار، وإذا حصل وأُغرِمت إحداهن برجل يصغرها سنّاً، فعليها أن تكبت مشاعرها وتدوسها بالجزمة انصياعاً لجملةِ تقاليدَ بائسةٍ تستكثر عليها الفرح.
لا أظنّ أنّ الأمر يختلف كثيراً في الثقافة الغربية رغم مظاهر التقدّم والحضارة ووهم المساواه بين الجنسَين، غير أنّ الرجل يظلُّ مهيمناً مُدلَّلاً، مغفورة خطاياه مباركة قراراته. ظهر ذلك في مهرجان فينيسيا السينمائي، حين ظهر الممثّل الستيني براد بيت، بما تبقّى من بهائه، برفقة حبيبته الثلاثينيّة، فخوراً بجمالها وشبابها، تطاردهما عدسات الكاميرات، ويهتف لهما المعجبون والمعجبات، ولم يتعرّض بيت لأيّ انتقاد أو سخرية، لأنّه يُحبّ فتاة بعمر أبنائه، غير أنّ التعاطي مع مثل هذه الحالة في حدود منطقتنا يظلّ أكثر تطرّفاً وحدّةً وجوراً بحقّ المرأة التي سوّلت لها نفسها الوقوع في حُبّ من يصغرها سنّاً، وانحيازاً وتواطؤاً مع الرجل السعيد بزوجته الشابّة التي في عمر بناته.
من حيث المبدأ، يظلّ التكافؤ بين الأزواج، من جهة العمر والحالة الاجتماعية والمستوى الثقافي، الصيغة الفضلى والأضمن لاستمرار العلاقة الزوجية، وتحقيق الانسجام بين الزوجين إذ تجمعهما مشتركات عديدة. لكنّ هذا المبدأ ليس قانوناً أو شريعةً سماويةً يترتب من مخالفتها من المرأة سوء العقاب، لأنّها في نهاية الأمر كائن من لحم ودم ومشاعر ورغبات، لها الحقّ، حتّى في التهوّر وارتكاب الحماقات، وهل هناك حماقة أجمل وأكبر من الحُبّ حين يهيمن ويفرض شروطه ويصدر أوامره؟!
في الواقع، التصرّف الأكثر حماقةً تجاهل نداء القلب والرضوخ لتوقّعات المجموع المُتطفِّل صاحب الأحكام المسبقة والمطلقة على هبة سماوية تبثّ الحياة في الروح المُتعَبة، وتبعث الأمل في النفس التي اعتراها اليباس. على النساء، والحال هذه، التمرّد على قوانين وتقاليد مزدوجة مُجحِفة تحكمهن في مراحل حيواتهن كافّة، فتحرمهن متعة خوض التجربة، ففرضت عليهن نمطاً مُحدَّداً كفيلاً بإلغاء إنسانيتهن ومصادرة حقّهن في اتخاذ القرار الذي يخصّهن وحدهن بالنتيجة.