21 أكتوبر 2024
"جو شو" وعبقرية الاختلاف
يحقّق الإعلامي المصري المبدع، يوسف حسين، مقدّم برنامج "جو شو" في تلفزيون العربي، نسب مشاهدة هائلة، تجعله يقف بجدارة في مصاف أهم برامج السخرية السياسية الراقية والهادفة في العالم العربي، فتحوّل، في زمن قياسي، إلى ظاهرةٍ إعلاميةٍ فنية، تستحق التوقف والبحث والتأمل، من حيث طريقة التناول العميقة الذكية واللاذعة التي لا تخرج، في أي حال، عن نطاق أصول أدب الحوار الهادئ والمفردات اللائقة، وتتطرق إلى مناطق الخلل والرداءة والإسفاف واستغفال المواطنين، والعبث بقوتهم ومصائرهم وأمنهم والتضليل الممنهج وقلب الحقائق وتمجيد الاستبداد الذي تقوم به وسائل إعلام رسمية، مستعينة بوجوه إعلامية مشهورة معروفة بمواقفها النفعية المتذبذبة والمتناقضة والمتقلبة، فتميل حيث تميل الريح. يتصدّى "جو شو"، على الرغم من التهديدات ومحاولات التشويه لذلك كله، بكل شجاعة واحترافٍ ورشاقة، فيضحك المتلقي العربي المأسوف على زمانه من فرط الوجع الذي يهزّ روحه، وهو يرقب ويعاني ويدفع أثمانا باهظة جرّاء مظاهر الخراب والفساد والظلم والاستبداد التي تعم هذه الأوطان المثيرة للخيبة في معظم الحالات.
يسخر يوسف حسين من ذلك الواقع الفادح، من خلال نص متين ممسوك ببراعة، يشي بجهد جماعي بارع، يقدّمه بخفة ظل ورقي وأناقة، بعيدا عن فكرة التهريج والتدنّي والانحطاط الأخلاقي الذي بات يميز برامج ساخرة وبرامج حوارية عديدة، زاخرة بالابتذال والسطحية والمسخرة والتفوّه، بكل صفاقة، بالإيحاءات الرخيصة، والألفاظ النابية والخادشة والمسيئة التي تنطوي على اغتيالٍ للشخصيات، وتعدٍّ على خصوصيتها. وفي الوقت الذي يستأثر به نجوم الشاشات من مقدّمي البرامج المشابهة على المشهد، مغيبين ومتعمدين تجاهل جهود زملائهم من خلف الكاميرات، من فنيين وموسيقيين وكتاب نصوص، يحرص يوسف على تأكيد الدور الأساسي والمهم لفريق الإعداد. ونحس، في أثناء المتابعة، بأنهم يقفون بمعيته، وليس خلفه. فريق إعداد متمكن ونوعي، يلمس المشاهد أثره الجلي في الصعود بالبرنامج طرديا، ومع كل عرض جديد، إلى قمة النجاح والتفوق من خلال طلة هذا الشاب المبدع المتميز، صاحب الكاريزما الاستثنائية الذي يلخص فكرة عبقرية الاختلاف، يصل إليك جو بسهولةٍ وصدق، من نبرة صوته وملامح وجهه الفلاحية الطيبة وسخريته المريرة المغمّسة بالحزن والأسى والغيرة والانحياز لأوجاع الشعوب المقهورة، وهو من خلال عروضه، سواء من حيث انتقاء ديكور الاستديو، بمفرداته البسيطة الأنيقة غير المتكلفة الخالية من البهرجة والمبالغات البصرية، أو من حيث المضامين الجادّة والعميقة التي تعالج مواضيع الساعة، وتمسّ الإنسان العربي في مقتل، ما يجعل البرنامج الأكثر شعبيةً، سيما لدى جمهور الشباب، أقرب إلى وجدان الشارع العربي، مؤهل للتعبير بصدقٍ وعفويةٍ عن مزاجهم ومواقفهم وتطلعاتهم ومخاوفهم وآمالهم في واقع عربي أقل بؤسا. يشتغل جو ورفاقه على المفارقة الصادمة، وعلى كشف تناقضات الساسة الفادحة، يقدّمون رؤيةً ليست جديدة، ولكن من زاويةٍ مختلفةٍ، تحاول التحلي بمقدار كبير من المنطق والموضوعية، وهذه ليست مهمّة يسيرة في مرحلة التخبط والزيف والخداع، غير أنهم يحقّقون نجاحا منقطع النظير في هذا السياق، ما يجعل مشاهدة برنامج "جو شو" فرصة ثمينة للمعرفة والتحصّن ضد الانقياد الأبله للخطاب الرسمي المعادي للبسطاء، والأمل بجيل جديد أكثر قدرةً على الشك والجدل والمواجهة والمقارعة والتعبير بشجاعةٍ وصراحةٍ عن الرأي، مهما اختلف عن السائد أو السعي الدائم لكشف المستور عن جرائم ترتكب بمباركة رموز إعلامية بحق شعوبٍ مستلبة الإرادة، منهوبة على كل الأصعدة، مصادر حقها في إحساسها بالأمان، منساقة إلى هاويةٍ حتميةٍ، ما لم تنهض من سباتها وتتحرّر من مخاوفها، وتكفّ عن الرضوخ والاستكانة لمصيرٍ لم تكن شريكة في صنعه.
تحية محبة وتقدير ليوسف حسين، ورفاقه جميعا. وإلى مزيد من الألق والإبداع والاختلاف.
يسخر يوسف حسين من ذلك الواقع الفادح، من خلال نص متين ممسوك ببراعة، يشي بجهد جماعي بارع، يقدّمه بخفة ظل ورقي وأناقة، بعيدا عن فكرة التهريج والتدنّي والانحطاط الأخلاقي الذي بات يميز برامج ساخرة وبرامج حوارية عديدة، زاخرة بالابتذال والسطحية والمسخرة والتفوّه، بكل صفاقة، بالإيحاءات الرخيصة، والألفاظ النابية والخادشة والمسيئة التي تنطوي على اغتيالٍ للشخصيات، وتعدٍّ على خصوصيتها. وفي الوقت الذي يستأثر به نجوم الشاشات من مقدّمي البرامج المشابهة على المشهد، مغيبين ومتعمدين تجاهل جهود زملائهم من خلف الكاميرات، من فنيين وموسيقيين وكتاب نصوص، يحرص يوسف على تأكيد الدور الأساسي والمهم لفريق الإعداد. ونحس، في أثناء المتابعة، بأنهم يقفون بمعيته، وليس خلفه. فريق إعداد متمكن ونوعي، يلمس المشاهد أثره الجلي في الصعود بالبرنامج طرديا، ومع كل عرض جديد، إلى قمة النجاح والتفوق من خلال طلة هذا الشاب المبدع المتميز، صاحب الكاريزما الاستثنائية الذي يلخص فكرة عبقرية الاختلاف، يصل إليك جو بسهولةٍ وصدق، من نبرة صوته وملامح وجهه الفلاحية الطيبة وسخريته المريرة المغمّسة بالحزن والأسى والغيرة والانحياز لأوجاع الشعوب المقهورة، وهو من خلال عروضه، سواء من حيث انتقاء ديكور الاستديو، بمفرداته البسيطة الأنيقة غير المتكلفة الخالية من البهرجة والمبالغات البصرية، أو من حيث المضامين الجادّة والعميقة التي تعالج مواضيع الساعة، وتمسّ الإنسان العربي في مقتل، ما يجعل البرنامج الأكثر شعبيةً، سيما لدى جمهور الشباب، أقرب إلى وجدان الشارع العربي، مؤهل للتعبير بصدقٍ وعفويةٍ عن مزاجهم ومواقفهم وتطلعاتهم ومخاوفهم وآمالهم في واقع عربي أقل بؤسا. يشتغل جو ورفاقه على المفارقة الصادمة، وعلى كشف تناقضات الساسة الفادحة، يقدّمون رؤيةً ليست جديدة، ولكن من زاويةٍ مختلفةٍ، تحاول التحلي بمقدار كبير من المنطق والموضوعية، وهذه ليست مهمّة يسيرة في مرحلة التخبط والزيف والخداع، غير أنهم يحقّقون نجاحا منقطع النظير في هذا السياق، ما يجعل مشاهدة برنامج "جو شو" فرصة ثمينة للمعرفة والتحصّن ضد الانقياد الأبله للخطاب الرسمي المعادي للبسطاء، والأمل بجيل جديد أكثر قدرةً على الشك والجدل والمواجهة والمقارعة والتعبير بشجاعةٍ وصراحةٍ عن الرأي، مهما اختلف عن السائد أو السعي الدائم لكشف المستور عن جرائم ترتكب بمباركة رموز إعلامية بحق شعوبٍ مستلبة الإرادة، منهوبة على كل الأصعدة، مصادر حقها في إحساسها بالأمان، منساقة إلى هاويةٍ حتميةٍ، ما لم تنهض من سباتها وتتحرّر من مخاوفها، وتكفّ عن الرضوخ والاستكانة لمصيرٍ لم تكن شريكة في صنعه.
تحية محبة وتقدير ليوسف حسين، ورفاقه جميعا. وإلى مزيد من الألق والإبداع والاختلاف.