خلقت قوة أمنية طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشكيلها لحماية النصب التذكارية والممتلكات الفدرالية، أزمة جديدة في الولايات المتحدة، بعد ممارساتها في مدينة بورتلاند التي شُبهت بعمليات اختطاف وتوقيفات بشكل تعسفي، ليزيد ترامب من جديد الشرخ بين المواطنين والأجهزة الأمنية التي حوّلها إلى أداة لخدمة سياساته، بل تمارس تصرفات أقرب إلى العصابات. ومنذ 14 يوليو/تموز الحالي، يتنقّل عملاء فدراليون في وسط بورتلاند ليوقفوا أشخاصاً من دون أي تبرير. وأظهرت عدة مقاطع مصورة بثت على شبكة الإنترنت ضباطاً يرتدون ملابس مموهة من دون شارات واضحة لتحديد الهوية، مستخدمين القوة ومركبات لا تحمل علامات مميزة، لنقل المحتجين الذين تم اعتقالهم. وقال شخص أثناء اقتياده من رجال الأمن محتجاً "إنها عملية خطف".
وتم نشر العناصر في بورتلاند لوضع حد للاحتجاجات الليلية خارج المحكمة الفدرالية في المدينة تنديداً بوحشية الشرطة والعنصرية، غير أن تصرفات هذه القوة، زادت الاحتقان والتشنج مع المحتجين على عنصرية الشرطة. ويتجمّع متظاهرون يحتجون على العنصرية ووحشية الشرطة حول مبنى المحكمة الاتحادية بصفة يومية في بورتلاند منذ مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد أثناء اعتقاله في 25 مايو/أيار الماضي في منيابوليس، مع تجاوز عدد الحشود أحياناً عشرة آلاف شخص. واستخدمت شرطة بورتلاند الغاز المسيل للدموع ضد المحتجين، إلى أن حظرت سلطة المدينة استخدامه في أوائل يوليو/تموز الحالي إلا في حالة وقوع أعمال شغب. بعدها انتشرت مجموعة من العملاء الفدراليين في المدينة، كجزء من "قوة انتشار سريع" طلب ترامب من وزارة الأمن الداخلي تشكيلها من وكالات فدرالية عديدة لحماية التماثيل والنصب التذكارية والممتلكات الفدرالية من المحتجين. وتم نشر القوة، التي تتألف من ألفي عنصر، في بورتلاند وسياتل وواشنطن. لكن استخدام هذه القوة في بورتلاند وممارساتها أديا إلى جدل بين مسؤولين في الشرطة بشأن ما إذا كان ترامب أساء استخدام هذه القوات.
دان ناشطون ومسؤولون أميركيون بشدة توقيف متظاهرين بشكل تعسفي في شوارع بورتلاند
وقال المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الفدرالية (اف بي آيه) ديفيد غوميز إن "فكرة ترك العناصر لمحيط المباني الفدرالية والتجول في شوارع بورتلاند تجعلني أتساءل عن مفهوم السياسة المعتمدة" للقيام بهذا الأمر. وأضاف "مهمة الشرطة في الأساس هي التعاطي مع المجتمع، ولهذا فإن الكثير من المجتمعات تثور، لأنها تشعر بأن الشرطة انتهكت هذا المبدأ". ودان ناشطون في مجال حقوق الإنسان ومسؤولون أميركيون بشدة توقيف متظاهرين بشكل تعسفي في شوارع بورتلاند. وقال رئيس منظمة "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" (إيه سي إل يو) في ولاية أوريغون في شمال غرب الولايات المتحدة جان كارسون إن "ما يحدث في بورتلاند حالياً يجب أن يثير قلق الجميع في الولايات المتحدة". وأضاف "عادة، عندما ترى أشخاصاً في سيارات لا تحمل إشارات يقتادون شخصاً من الشارع بالقوة، فإن ذلك يسمى خطفاً".
وانتقد مسؤولون في بورتلاند "التكتيكات العدائية" للشرطة الفدرالية في توقيف الأشخاص، بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، التي أشارت إلى أن هؤلاء طالبوا إدارة ترامب بسحب العناصر المدججين بالأسلحة، والذين يقومون باختطاف الأشخاص من الشوارع. وانتقدت الحاكمة الديمقراطية في ولاية أوريغون كايت براون الحكومة لتدخلها في المدينة. ووصفت ذلك الإجراء بأنه "إساءة صارخة لاستخدام الحكومة الاتحادية سلطاتها". وكتبت، في تغريدة، "هذه المسرحية السياسية للرئيس ترامب لا علاقة لها بالسلامة العامة". ووصف محافظ المدينة تيد ويلر عناصر الشرطة الفدرالية على أنهم "جيش ترامب الخاص"، مشدداً على ضرورة إخراجهم من المدينة. وقال إنه "جزء من استراتيجية منسقة للبيت الأبيض لاستخدام القوات الفدرالية من أجل تقوية شعبيته، وهو استخدام سيئ جداً لقوة إنفاذ القانون". وأضاف "في الوقت الذي نرى فيه انخفاضاً للتوتر، فإن أعمالهم كل ليلة زادت من الحقن في الشارع"، معتبراً أن ما يحصل عبارة عن "هجوم على ديمقراطيتنا".
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي تشاد وولف كان سافر إلى بورتلاند، أخيراً، للإشراف على أعمال القوات الفدرالية هناك، وأنه انتقد بشدة هذه القوات لعدم تعاملها بالقوة مع "الفوضويين العنيفين". وقال وولف، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الخميس الماضي، إنه عرض على المسؤولين في بورتلاند المساعدة، لكنهم أبلغوه أن "يحزم أمتعته ويعود إلى منزله"، مشدداً على أن هذا الأمر لن يحصل خلال فترة عمله. وروى مارك بيتيبون (29 سنة) لصحيفة "واشنطن بوست" كيف أوقفه رجال يرتدون بزات بلون الكاكي في مركبة مدنية توقفت قربه. وقال إن "المشهد كان أشبه بفيلم رعب أو خيال علمي". وأوضح أنه اقتيد إلى محكمة فدرالية، وأفرج عنه لاحقاً من دون توضيح أسباب توقيفه، وما إذا كان اتهم بارتكاب جريمة أم لا.
المتظاهرون في المدينة تصادموا سابقاً مع مجموعات مليشياوية من اليمين المتطرف
يشار إلى أن المتظاهرين في المدينة كانوا تصادموا سابقاً مع مجموعات مليشياوية من اليمين المتطرف، يرتدي أتباعها بزات عسكرية مرقطة. وحاولت إدارة الجمارك وحماية الحدود التابعة لوزارة الداخلية الأميركية، الدفاع عن نفسها، موضحة، في بيان، أن عناصرها نفذوا عملية التوقيف بعد تلقي "معلومات"، من ضمنها مقطع فيديو يظهر فيه بيتيبون "يشتبه" في أنه يهاجم فيه عناصر فدراليين وممتلكات عامة. وقالت الهيئة "عندما اقترب عناصر وكالة الجمارك وحماية الحدود من المشتبه به تحركت حشود كبيرة وعنيفة باتجاههم. ومن أجل سلامة الجميع، نقل المشتبه به بسرعة إلى مكان أكثر أماناً للاستجواب". وأكدت أن عناصرها عرفوا عن أنفسهم حسب الأصول، وكانوا يضعون شارة إدارتهم. وأوضحت متحدثة باسم هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية أنه تم إرسال أفراد إلى بورتلاند لدعم وحدة شكلت حديثاً من وزارة الأمن الداخلي مكلفة فرض تطبيق الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب الشهر الماضي لحماية النصب التذكارية والمباني الاتحادية. ولم تعط المتحدثة تفاصيل، معتبرة أن ذلك قد يعرض للخطر سلامة أفراد الهيئة، لكنها أشارت إلى أنه تم تدريبهم على العمل في "أجواء تسودها الفوضى"، لكنها أكدت أنهم يضعون شارات تعرف عنهم. وإضافة إلى أفراد حماية الحدود قالت وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية إن أفراداً من الوكالة يساعدون هيئة الحماية الاتحادية التابعة لوزارة الأمن الداخلي التي توفر الأمن للمباني الاتحادية.