استمع إلى الملخص
- الأثر الإنساني والاقتصادي: أُعلنت ميس الجبل بلدة منكوبة مع تدمير 45 ألف وحدة سكنية و40 ألف محل تجاري، وفقدان 78 شهيداً. توقفت المستشفى عن العمل، مما زاد من معاناة السكان.
- التحديات والمقاومة: يزعم الاحتلال وجود أنفاق لحزب الله ويهدف لخلق منطقة عازلة، بينما يؤكد رئيس البلدية أن الهدف هو تغيير معالم البلدات. تبقى إرادة السكان قوية لإعادة البناء رغم غياب الدعم الدولي.
دمّر الاحتلال في ميس الجبل 45 ألف وحدة سكنية بحسب مجلس الجنوب
إدارة مستشفى ميس الجبل أعلنت منذ فترة وقف العمل
عدد سكان ميس الجبل بالأساس 30 ألفاً لكنها باتت خالية تماماً منهم
يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات نسفه الأحياء والمباني في القرى الحدودية جنوبيّ لبنان أعنفها في بلدة ميس الجبل التي دُمِّر أكثر من سبعين بالمائة من منازلها ومؤسساتها ومحالها ومعالمها وانضمَّ إليها السرايا الحكومي بعد تفجيره أمس الجمعة، علماً أنّ الغارات لم تستثنِ حتى دور العبادة والمستشفى وخطوط الإمداد.
وارتكب الاحتلال سلسلة مجازر في ميس الجبل قضاء مرجعيون بمحافظة النبطية جنوبيّ لبنان منذ فتْح جبهة إسناد غزة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن حجم جرائم التدمير ارتفع بعدما أخذ العدوان منحى توسّعياً منذ 23 سبتمبر/أيلول الفائت، مع إعلان إسرائيل ما أسمتها عملية "سهام الشمال"، وبدء محاولات الغزو البري مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فكان للبلدة حصّتها الكبيرة من الاستهدافات وسياسة مسح الأحياء والأرض المحروقة التي طاولت أكثر من 35 قرية.
وبلغ عدد الوحدات السكنية المُهدَّمة بفعل العدوان 45 ألف وحدة سكنية، بحسب ما قال مجلس الجنوب لـ"العربي الجديد"، فيما بلغ عدد المحلات المهدّمة 10 آلاف محل، أما عدد الوحدات السكنية المتضررة فقد بلغ 200 ألف، ووصل عدد المحلات المتضررة إلى 40 ألف. وتصدَّرَ اسم ميس الجبل المشهد في الأيام الماضية بفعل لقطات التفجير التي طاولت في خلال ثوانٍ وبأطنانٍ من المتفجّرات أحياءً فيها، وقد لجأ الاحتلال إلى بثّ مقاطع مصوَّرة من عمليته عبر منصّات التواصل الاجتماعي، ما أثار غضب الناس وحزنهم في لبنان لرؤيتهم واحدة من أكبر البلدات في قضاء مرجعيون، ضمن محافظة النبطية، تتفجَّر وتحترق أمام عيونهم.
هنا #ميس_الجبل 💔💔#لبنان pic.twitter.com/yYjxpFkQHL
— Khaled Agha خالد أغا (@kallagha) November 4, 2024
ومع تصاعد العدوان، عمد الاحتلال إلى تدمير أحياء سكنية كاملة ومئات البيوت والمؤسسات التجارية، والمرافق الرسمية والخدماتية، وخزانات المياه ومحطات الاتصالات والإرسال وسنترال البلدة، والمدارس والمؤسسات التعليمية والمساجد ودور العبادة، كما وتدمير الأحياء القديمة والتراثية، والبنى التحتية، والمرافق الصحية، والمستشفى الحكومي، وهو ما يؤكده رئيس بلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير لـ"العربي الجديد"، ويضيف: "حتى الأموات ومقابر البلدة لم تسلم من وحشية العدو وإجرامه، إلى جانب مبنى السرايا".
ويشير شقير إلى أننا "أعلنّا ميس الجبل بلدة منكوبة منذ أكثر من 8 أشهر، فيمكن تخيل وضعها حالياً في ظلّ الحرب التدميرية الممنهجة، وهي قدّمت 78 شهيداً، منهم نساء وأطفال ومسنّون، واليوم هي خالية من السكان، باستثناء 4 عجزة، رفضوا مغادرة البلدة، على مدار أكثر من سنة، وفضّلوا البقاء في قريتهم وبيوتهم، وكانوا يُزوَّدون بالمواد والحاجيات الأساسية للصمود من جانب الدفاع المدني وكشافة الرسالة الإسلامية، لكن منذ تاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فقدنا الاتصال بهم، ولم نعرف ما إذا كانوا على قيد الحياة أو استشهدوا، وناشدنا العالم، ونطالب قوات اليونيفيل والصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر اللبناني كما الجيش بمعرفة مصيرهم، ولا نزال ننتظر أي خبر عنهم".
كذلك يشير شقير إلى أنّ "إدارة مستشفى ميس الجبل في جنوب لبنان أعلنت منذ فترة وقف العمل في الأقسام كافة، وقد أُخليَ المستشفى، وخصوصاً بعد اعتداءات متكرّرة غادرة من قبل العدو طاولته والعاملين فيها، واشتداد الحصار على القرى الأمامية الحدودية، وقطع الطرق وخطوط الإمداد، وصعوبة وصول الطواقم الطبية والتمريضية والإدارية إليه، وغيرها من الأسباب والعوامل التي أدت إلى اتخاذ القرار، وصولاً إلى أنّ كلّ محيطه بات اليوم مدمَّراً، وقد أُنذِرَ أيضاً بالإخلاء".
وكان لميس الجبل، جنوبيّ لبنان، حصّتها من الجرائم الإسرائيلية في حرب يوليو/تموز 2006، لكن ليس كما هو حاصلٌ اليوم، يقول شقير، ويضيف: "ميس الجبل وشقيقاتها، ضحّت من أجل الدفاع عن الأرض والوطن، فهناك تقريباً بحدود 35 بلدة نُسِفت أحياؤها بالكامل وفقدت معالمها. وفي المقابل، نتساءل: أين المجتمع الدولي؟ أين القوانين والمواثيق الدولية التي يضرب بها الإسرائيلي عرض الحائط؟ هل يُعقل كلّ هذا التدمير الممنهج والعالم كلّه ساكت، لكن بكل الأحوال، ممكن أن يحرقوا الشجر ويدمّروا الحجر، ولكنهم لن يتمكّنوا من تدمير إرادة شعب وإرادة سكان متمسّكين بأرضهم".
ويرى شقير أنّ "كل عمليات التفخيخ والتفجير نضعها في خانة تغيير معالم البلدات، وترهيب الناس لعدم العودة، واعتماد سياسة الأرض المحروقة، ونحن نعرف أنّ الدمار يمكن أن يحصل بلحظة أو ساعة أو أيام، وبأنّ البناء يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ وجهدٍ وتعبٍ، لكن إرادة الناس إن شاء الله ستعيد كلّ شيء كما كان عليه".
وعن ميس الجبل، يشير شقير إلى أنها تعدّ بحد ذاتها مدينة، فهي أكبر بلدة في المنطقة، بعدد سكانها ومساحة أرضها، وهي تضم العديد من المؤسسات التجارية، وفيها عشرات الملايين من الدولارات والأرزاق، كذلك فإنها مقصدٌ لكلّ الناس، وهي أم الشهداء والعلماء، إلى جانب كونها تشتهر على مساحة الوطن بتجارة السجاد والأدوات المنزلية والمفروشات، خصوصاً أنها كانت تضمّ العديد من مصانع المفروشات، ومن أصحاب المصالح مزارعون ومربو مواشٍ ونحل، وهؤلاء كلّهم يعانون اليوم. ويلفت شقير إلى أنّ "عدد سكان ميس الجبل بالأساس 30 ألفاً، لكن المقيمين فيها بفصل الشتاء يصلون إلى 7500. أما في موسم الصيف، فيراوح العدد بين 15 إلى 17 ألفاً، واليوم باتت خالية تماماً من السكان، بانتظار معرفة مصير المفقودين الأربعة".
ونُسِب اسم ميس إلى شجر الميس، الذي كان يُغرَس فيها، وهي تقع على حدود فلسطين المحتلة، ويحدّها جنوباً بلدة بليدا ومزرعة محيبيب وشمالاً بلدة حولا وغرباً بلدة شقرا وبرعشيت وشرقاً فلسطين المحتلة، وهي ترتفع عن سطح البحر 700 متر. وكان للبلدة التي تشتهر ببيوتها الحجرية، وعمرانها التاريخي، وأحياؤها القديمة، حصّة كبيرة من الاعتداءات الإسرائيلية لفتراتٍ سابقة قبل حرب يوليو 2006، منها عام 1948، حتى إنّ الاحتلال نسف عدداً من المنازل فيها، واحتلّها عام 1978، خلال اجتياح جنوبي لبنان، ربطاً بـ"عملية الليطاني"، إلى أن انسحب منها عام 2000.
ويزعم الإسرائيليون أنّ هناك أنفاقاً تابعة لحزب الله في هذه القرى يفجّرونها، لكنهم يريدون خلق منطقة على الشريط الحدودي تكون عازلة، بشكل لا يسمح لعناصر المقاومة من الاقتراب. وفوق كل ذلك، فإنّ الهدف الأساسي وراء هذه السياسة شنّ حرب نفسية من خلال الضغط على السكان وزعزعة البيئة الحاضنة للمقاومة. ومن القرى الجنوبية التي يعتمد فيها الاحتلال نسف المربّعات السكنية وتدميرها وتسوية مبانيها بالأرض، يارين، ومروحين، والضهيرة وأم التوت، وميس الجبل، والعديسة وديرسريان، ومحيبيب، وراميا، وبليدا، وعيتا الشعب وعيترون، وغيرها.