باتت ثيمة الحاجز تتردد بكثرة في الأدب الفلسطيني من الرواية إلى المسرح وربما الفنون الأخرى، وهي موضوعة مسرحية "حاجز أخير" التي بدأت عروضها في فلسطين مؤخراً. لكن اللقاء مع مخرج العرض وكاتبه حسام غوشة (1989) يكشف عن نوع آخر من الحواجز يعترض الحياة المسرحية في فلسطين.
يتساءل "ما هي الحواجز التي تنشأ عن الحواجز العسكرية؟" ويجيب في حديثه لـ"العربي الجديد": "هذا ما نتناوله في عرض حاجز أخير، نقدّم قصصاً تسجل لحظات شخصية قوية من المواجهة مع الحواجز، شخوص العرض متواضعة عادية، غاياتها بسيطة، ليست خارقة البطولة أو ضعيفة كل الضعف، تواجه حواجزها التي تولدت عن حواجز الاحتلال والسلطة بمختلف أشكالها؛ بطاقة الهوية، الاغتصاب، الهوس الأمني، الصحافة، النسيان، التنسيق الأمني، الفساد وغيرها من قضايا اجتماعية وسياسية".
يحاول العرض أن يلفت الانتباه إلى تمدد الحواجز في الوعي الجماعي إلى جانب توغلها في الواقع، وهنا يقول غوشة الذي بدأ مسيرته قبل سنوات مع فرقة مسرح الرواة في القدس: "ليس غريباً أن تكون ثيمة الحواجز متداولة بكثرة في الفن الفلسطيني، لعلها محطة ضرورية على الفنان أن يواجهها في مرحلة ما، كرد فعل طبيعي على الحواجز التي يصطدم بها في مسيرة تحرّره".
ويضيف: "ربما نستطيع أن نجزم أن لكل فرد في فلسطين المحتلة تجارب مع الحواجز لها أثر كبير على حياته وتكوينه وعلاقته مع محيطه ومجتمعه، ولا يمكننا أن نتجاهل أن الحواجز في فلسطين والبلاد العربية المجاورة في ازدياد مستمر، من هنا تأتي ضرورة العمل على ثيمة الحاجز وتذكير المشاهد بقسوتها/ أثرها على الفرد".
تدرك المجموعة أن عرضها يخاطب بالدرجة الأولى الإنسان الفلسطيني، وهو ما يخلق تحدياً أكبر لاختيار موضوع الحاجز. وعن هذه النقطة يوضح غوشة: "برأيي من السهل تجاوز نمطية ثيمة الحاجز في المسرح إذا صدقنا أنفسنا وتأملنا قليلاً في الحواجز المحيطة بنا، وابتعدنا عن تمثيل أنفسنا ضحايا أو أبطال، أو نتناولها كمجرد حواجز تعوق حركة الأفراد والبضائع، كذلك فإن الحواجز نفسها تتغير، فهي نظام يُفرّخ حواجز تلاحقنا في البيت والعمل، فنصير نحن من يغذيها ويعزز حضورها بخاصة لو تجنبنا مواجهتها، ليس صعباً أن تلاحظ حجم الحواجز بين الناس في فلسطين، حتى إنها حاضرة فيزيائياً ونفسياً في المسارح والمراكز الثقافية".
وعن ظروف الإنتاج وصعوبة تقديم إنتاج مسرحي غير مدعوم خارجياً، يقول: "لم يكن الإنتاج سهلاً، إذ تحملنا جميع التكاليف المادية، أضف إلى ذلك الإمكانيات التقنية وغيرها، إلا أن ذلك كان بمثابة تحدٍ للفريق، وكان ضرورياً للحفاظ على استقلاليته، فكان الإنتاج جميعه بجهود تطوعية. ولا ننسى الأصدقاء في ملتقى "نبض" الشبابي فقد قدموا لنا الدعم اللوجستي والمعنوي كما شاركونا في بناء العرض نفسه".
اللافت أن الفريق الشاب واع لفخ النخبوية وانفصال العمل المسرحي عن حركة الشارع، لا سيما مع ممثلين شباب بعضهم يخوض تجربته الأولى في المسرح: "كان العمل بمثابة كسر الحواجز التي تساهم بعض المسارح عندنا في ترسيخها، ما أدى إلى احتكار المسرح لصالح فئة قليلة مستفيدة تنصب نفسها "نخبة"... إذ متى تتوفر عناصر المسرح؛ النص والممثل والجمهور يصير عندنا مسرح. أثناء فترة العمل عملنا على تطوير النصوص وتجريبها مع الممثلين على المسرح. في النهاية افتتحنا عروضنا الثلاثة الأولى في المكان الذي تدربنا فيه "قاعة مجلس أمناء جامعة بيرزيت" وكان تفاعل الجمهور وملاحظاته أكبر داعم لنا للاستمرار".
وعندما سألناه عن ابتعاد العرض عن الفضاءات المعتادة في المراكز الثقافية وعرض "حاجز أخير" في مخيم الجلزون قبل أيام: "عرض حاجز أخير فيه الكثير من الفرجة الشعبية التي يحبها جمهور المخيم، وهو أيضاً يحاكي قضايا تهمّهم، فهم المتضرّر الأكبر من صفقات الحواجز والفساد في السلطة على سبيل المثال، الكثير من الحب وجدناه في المخيم، الكثير من الضحك كان في عرض المخيم، ضحك في لحظات درامية عالية لا تعكس إلا قسوة المخيم والسخرية التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني في وطنه. كما تلقينا دعوة أخرى من "مؤسسة الشهيد خالد بكير" للقيادات الشابة لتقديم عرض ثان لحاجز أخير في الشهر القادم".
هل ينطوي هذا الأمر على موقف من هذه المراكز: "بالتأكيد هو موقف من المراكز الثقافية، ما هو نصيب المخيمات من المهرجانات والمشاريع والفعاليات الثقافية في فلسطين؟ ربما أكثر ما علينا الانتباه له هو الاستغلال الذي تتعرّض له مخيماتنا، وضرورة أن تشرك جميع المراكز الثقافية المخيم في مشاريعها، بمعنى الشراكة وليس الاستعمال".
هنا، يعترف حسام غوشة بيأسه من المؤسسات العاملة باسم المسرح في فلسطين: "حاولنا إقامة تعاون مع "المسرح الوطني الفلسطيني" (الحكواتي) في القدس، فقطع الطريق علينا بحجة أن المسرح مشغول طوال الوقت. قررنا أن نغسل أيدينا من المؤسسات وأن نعتمد كلياً على أنفسنا. المؤسسات مشغولة بمتابعة الممولين ولا وقت عندها للتجارب الشابة التي تجنّد الأموال باسمها، نحن بالنسبة لهم نوع من الغرامة".
أما أبرز العقبات، فيراها المسرحي الشاب في انقطاع المسرح الفلسطيني عن التجارب العربية: "أكثر ما يحتاجه الشباب في فلسطين هو خلق مسرحه باعتماده على نفسه وإيمانه بإمكانياته وقدراته مهما بلغت التحديات".