"داعش" من التمدد في الجغرافيا السورية إلى الحصار

20 سبتمبر 2017
D26581BE-E25E-4827-BE2A-F9D12A019D07
+ الخط -
بدأ تنظيم "داعش" رحلة تراجع كبير في العام الماضي، ولا تزال مستمرة، بعد قصة صعود سريع خلال عامي 2014 و2015، كادت أن تغيّر خارطة الشرق الأوسط برمته. وبات مسلحوه في سورية إما محاصرين، أو شبه محاصرين، في المناطق التي لا يزالون يسيطرون عليها، كما أنه أصبح على وشك خسارة مدينة الرقة، معقله البارز في سورية، ويجهد في الدفاع عن مواقعه في محافظة دير الزور شرقي سورية.

ويواجه التنظيم عدة قوى في وقت واحد، إذ تهاجمه قوات النظام ومليشيات إيرانية، و"قوات سورية الديمقراطية"، التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، بالإضافة إلى قوات المعارضة السورية، وذلك سعياً للسيطرة على تركة التنظيم في مختلف أرجاء سورية. وكان "داعش" يسيطر على أكثر من نصف مساحة سورية في عام 2015، لكنه فقد الكثير من مواقعه خلال العام الحالي، ولم يعد يحتفظ سوى بجيوب في جنوب البلاد ووسطها. لكنه لا يزال يحتفظ بغالبية محافظة دير الزور شرق البلاد، والبالغة أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع، والتي ترتبط جغرافياً بالعراق. ويبدي التنظيم شراسة في القتال على بعض الجبهات، فيما يتراجع في أخرى.

ولا يزال تنظيم "داعش" محاصراً بشكل محكم داخل مدينة الرقة منذ عدة أشهر، إذ ضيّقت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) الخناق عليه في عدة أحياء في القسم الشمالي من المدينة التي كانت معقله البارز في سورية، ومستقر وممر قواته التي كانت تتحرك في أكثر من نصف مساحة سورية البالغة أكثر من 180 ألف كيلومتر مربع. وسيطرت "قوات سورية الديمقراطية" على نحو 70 في المائة من المدينة، فيما تتوقع مصادر في هذه القوات أن يتم القضاء على التنظيم في الرقة خلال شهرين. ولعب الحصار دوراً محورياً في صمود مسلحي التنظيم، إذ لم يعد أمامهم إلا القتال حتى اللحظة الأخيرة، وهو ما جر على المدنيين فيها القتل والإصابة بقصف طيران التحالف الدولي، وأدى إلى تدمير أغلب أحياء المدينة.


ومع تزايد خسارته لمدينة الرقة وريفها، فقد التنظيم زخمه في سورية، وتراجع إلى حالة دفاع من المنتظر أن تنتهي بالقضاء عليه، بعد فترة تمدد شهيرة، خصوصاً في 2014 و2015، إذ اندفع متوغلاً في سورية والعراق، وكاد أن يطيح بمدن كبرى في البلدين، وهو ما كان بمثابة تهديد لخارطة الشرق الأوسط. وأصبح عناصر التنظيم محاصرين في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، في بلدتي السبخة ومعدان، إثر وصول قوات النظام إلى منطقة البانوراما في مداخل دير الزور الغربي منذ عدة أيام. وبذلك باتت قوات النظام تحاصر التنظيم من الجنوب والشرق، و"قوات سورية الديمقراطية" من الغرب والشمال، في منطقة جغرافية ضيقة للغاية، لكنها تساعده على الصمود أكثر في وجه القوات المهاجمة، معتمداً أسلوب الكر والفر، والسيارات المفخخة التي كبدت قوات النظام خسائر فادحة. في هذا الوقت، تحاول قوات النظام، و"حزب الله" ومليشيات طائفية محاصرة التنظيم داخل مدينة دير الزور، خصوصاً من الجهات الجنوبية والشرقية والغربية، فيما تحاول "قسد" محاصرته من الجهة الشمالية، لكن التنظيم لا يزال يحاول تفادي سيناريو الرقة، ومن المرجح انسحاب مسلحيه إلى معاقله في ريف دير الزور الشرقي إذا شعر بأنه بات مهدداً بالحصار. كما تحاول مليشيات إيرانية، تساند النظام، الاقتراب أكثر من مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، عبر الانطلاق من مناطق تتمركز بها جنوبي المدينة بنحو 70 كيلومتراً. وفي حال استطاعت الوصول إلى البوكمال تكون حاصرت التنظيم في ريف دير الزور الشرقي، خصوصاً في معقله البارز مدينة الميادين، وقطعت صلة "داعش" مع معاقله في محافظة الأنبار غربي العراق، وأهمها القائم وعانة وراوة.

وفي جنوب سورية، يسيطر ما يُسمّى بـ"جيش خالد"، المبايع لتنظيم "داعش" على منطقة حوض اليرموك في محافظة درعا، والتي تضم عدة بلدات وقرى، منها الشجرة، وسحم، وحيط، لكن عناصر التنظيم أصبحوا محاصرين من كل الجهات، حيث الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، ومع الأردن، وفي داخل الأراضي السورية تحاصرهم قوات الجيش السوري الحر. وفي البادية السورية، يعاني التنظيم منذ أكثر من شهر من حصار محكم من قبل قوات النظام ومليشيات محلية في ريف حماة الشرقي، إلى الشرق من مدينة سلمية، وفي قرى تتبع لريف حمص الشرقي. ولا يزال التنظيم يحتفظ بوجود له في منطقة العقيربات، وقراها، وجبل البلعاس وقراه، وهي مناطق واسعة، ووعرة تساعد مسلحي "داعش" في الدفاع عنها رغم القصف المتواصل من طيران النظام والطيران الروسي الذي أدى الى مقتل العشرات من المدنيين المحاصرين مع مسلحي التنظيم. وسيطرت قوات النظام على بلدة عقيربات الأسبوع الماضي، لكن مصادر محلية أكدت، لـ"العربي الجديد"، أنها اضطرت للانسحاب منها بسبب ضربات مسلحي "داعش". ويتخذ التنظيم من جبل البلعاس مكاناً يتحصن فيه عناصره الذين تمرسوا على مدى سنوات في معارك البادية وأرهقوا قوات النظام فيها، خصوصاً في عام 2015، ووصلوا إلى مشارف مدينة حمص من الجهة الشرقية. وتؤكد مصادر محلية أن التنظيم يحتفظ بكميات كبيرة من الوقود والقمح، والعتاد، والذخيرة، إذ كان يدرك أنه سيتعرض لحصار طويل في منطقة، لا تبعد كثيراً عن مدينتي حماة وحمص في قلب سورية.

كما أن وجود التنظيم في هذه المنطقة يعيق خطط النظام في السيطرة الكاملة على البادية السورية الغنية بالنفط وثروات باطنية أخرى. ولا تزال قوات النظام تحاول قضم قرى يسيطر عليها "داعش" في هذه المنطقة، إذ ذكرت وكالة "سانا" التابعة إلى النظام السوري يوم الاثنين الماضي أن هذه القوات سيطرت على بلدة أبو الحنايا في ناحية عقيربات، مشيرة إلى أنه تم العثور على ورشة لصيانة الأسلحة ومستودع أسلحة وذخائر ومرأب فيه دبابات مدمرة. من جانبه، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الاشتباكات بين قوات النظام، وعناصر تنظيم "داعش" تتواصل على محاور في الريف الشرقي لمدينة حمص، في مثلث جب الجراح – الشومرية – شاعر على بعد نحو 50 كيلومتراً من مدينة حمص، موضحاً أن قوات النظام حققت تقدماً في المنطقة وسيطرت على قريتين.

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
نعيم قاسم في كلمة له أثناء تشييع قيادي في حزب الله ببيروت، 22 سبتمبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

أعلن حزب الله اليوم الثلاثاء انتخاب نعيم قاسم أميناً عاماً له خلفاً لحسن نصر الله الذي استشهد في 27 سبتمبر/أيلول الماضي بغارة إسرائيلية.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير