حزب الله كبد الاحتلال خسائر في الأرواح ولا يزال متماسكاً
بلدة الخيام تشهد المعارك الأعنف منذ بدء العملية البرية
الاحتلال يتجنب المواجهة المباشرة ويسعى للالتفاف على القرى
اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة أو احتلال أي قرية بشكلٍ كاملٍ من قرى الحافة الأمامية للحدود. ومنذ أمس الخميس تشهد مدينة الخيام ذات الرمزية الخاصة والاستراتيجية الكبرى، معارك هي الأعنف منذ بدء العملية البرية الإسرائيلية.
وفجر الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت إسرائيل بدء حملتها العسكرية على لبنان تحت اسم "سهام الشمال" بهدف معلن يتمثل في إعادة المستوطنين الذين فروا من المستوطنات المحاذية لحدود لبنان نتيجة القصف من جانب حزب الله منذ الثامن من أكتوبر 2023. وسبق العملية العسكرية البرية غارات جوية واسعة شنها الاحتلال منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي ولا تزال مستمرة على الأراضي اللبنانية ما أسفر عن استشهاد أكثر من ألفي شخص، معظمهم من العائلات والأطفال، ونزوح ما يزيد عن مليوني شخص. ورمى الاحتلال من خلال الغارات التي استهدفت المدنيين بلا هوادة إلى تمهيد المنطقة أمام التوغل البري من خلال إبادة القرى ضمن سياسة "الأرض المحروقة"، لكنه فوجئ بمقاومة لبنانية شرسة على طول الخط الأمامي للحدود منذ اليوم الأول للتوغل.
وبلغت آخر حصيلة أصدرتها غرفة العمليات في حزب الله أمس الخميس للمواجهة البرية "أكثر من 95 قتيلًا و900 جريح من ضباط وجنود جيش الاحتلال، وتدمير 42 دبابة ميركافا، وأربع جرّافات عسكرية، وآليّتي هامر، وآليّة مُدرّعة، وناقلة جند، كما إسقاط ثلاث مسيّرات من طراز هرمز 450 ومُسيّرَتين من طراز هرمز 900"، مع الإشارة إلى أنّ هذه الحصيلة لا تتضمن خسائر الاحتلال الإسرائيلي في القواعد والمواقع والثكنات العسكريّة والمستوطنات والمدن في الأراضي المحتلة على الجانب الآخر من الحدود.
وتصدّى حزب الله للمحاولات الإسرائيلية بحسب ما نشرت عمليات المقاومة عند أكثر من محور، الأول يمتدّ من الناقورة غرباً وصولاً إلى مروحين شرقاً، والثاني، يمتدّ من راميا غرباً وصولاً إلى رميش شرقاً، (عيتا الشعب ضمنًا)، ومن رميش وصولاً إلى عيترون شرقاً، أما الثالث فيمتدّ من بليدا جنوباً وصولاً إلى حولا شمالاً، فيما يمتد الرابع من مركبا جنوباً وصولاً إلى قرية الغجر اللبنانيّة المُحتلّة في الشمال الشرقي، إضافة إلى محور خامس يمتدّ من قرية الغجر وحتى مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
وتؤكد أوساط حزب الله أنّ القوة الصاروخية في المقاومة مستمرّة في استهداف تحشّدات الاحتلال في المواقع والثكنات العسكرية على طول الحدود، وصولاً إلى القواعد العسكرية والاستراتيجية والأمنية في عمق إسرائيل بمختلف أنواع الصواريخ ومنها الدقيقة التي تستخدم للمرة الأولى.
وقالت أوساط حزب الله لـ"العربي الجديد"، إنّ "العدو اعتقد أنّ باغتيالاته وتفجيراته سيقضي على قدرات حزب الله لكنه صُدم بأنّنا لا نزال نملك الكثير، لا بل وسَّعنا في الفترة الأخيرة من عملياتنا اليومية، وزدناها كمّاً وكذلك نوعاً، حتى وصلت إلى غرفة نوم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ولا يزال بعهدتنا الكثير من المفاجآت".
وأضافت الأوساط: "جيش الاحتلال يتكبّد خسائر كثيرة في المواجهات البرية، ولا يعلن عنها كلّها، وبدورنا قلنا ونكرّر أننا ننتظر الالتحام، فليقتربوا ليشاهدوا ويلمسوا النتيجة في الميدان، وهو حتى الساعة لا يزال يقف على البوابة الأمامية، وبدأ يتحدّث عن أنّ أهدافه تحققت، لكنه لم ولن يحقّق أياً من الأهداف، بل سنؤلمه كثيراً".
أوراق قوة حزب الله في المواجهات البرية مع الاحتلال
ويمتلك حزب الله أوراق قوة عديدة في المواجهة البرية، ظهرت من خلال الكثير من الإنجازات التي حققها وعاد لفرض نفسه من خلالها بالميدان بعد سلسلة انتكاسات تعرّض لها خصوصاً في عمليات تفجير أجهزة الاتصال "البيجر" و"اللاسلكي" في 17 و18 سبتمبر/أيلول الماضي، واغتيال العديد من قادته، على رأسهم الأمين العام حسن نصر الله.
في الإطار، يقول قائد كلية القيادة والأركان سابقاً العميد الركن المتقاعد حسن جوني لـ"العربي الجديد"، إنّ "أبرز نقاط القوة البرية عند حزب الله هي اللامركزية في القتال أو الدفاع، بمعنى أنه على كلّ اتجاه قتال هناك قوّة ليست مضطرة إلى التحرّك ودعم بعضها أي أنها موزَّعة، إضافة إلى عنصر تحصين الأرض وتجهيزها للدفاع، إذ رغم الضربات المكثفة من جانب الاحتلال بالجوّ والمدفعية فإن القدرات الدفاعية موجودة لدى المقاومة ومستمرة بالأرض بشكلٍ جيّد، أما النقطة الثالثة فهي مشروعية القتال والعقيدة ما يؤدي إلى الثبات والقتال حتى الموت".
ويشير جوني إلى أنّ "العملية البرية أعلن عنها منذ شهرٍ، على أساس أنها مركّزة ومُحدَّدة وتم حشد بعض الفرق واستُكملت لاحقاً لحدّ الخمس فرق، وبدأ الهجوم الإسرائيلي بطلائع قواته التي تسمّى قوات الاستطلاع وهدفها الاستطلاع بالنار لمعرفة قدرة حزب الله الدفاعية، سواء أسلحته أو تشكيله أو جهوزيته ونقاط بهذا الإطار، لكن فوجئوا بأن المقاومة تشكل جبهة دفاعية متماسكة على امتداد الحدود والتخوم بحيث استطاعت في بداية المواجهات تكبيد قوة الاستطلاع خسائر فادحة، من قتلى وجرحى، ولم يتوقع جيش الاحتلال الصلابة بالدفاع عند حزب الله خصوصاً بعدما أصابه بضرباتٍ قاسية لجهة قتل معظم أركان القيادة إضافة إلى أمينه العام، وارتكاب تفجيرات أجهزة الاتصال".
تبعاً لذلك يلفت خبير الدفاع في الاستراتيجية والقيادة إلى أنّ "(الاحتلال) الإسرائيلي لم يقدّر الموقف بشكل دقيق وصحيح، فهو اعتبر بعد الضربات المذكورة أن الدخول إلى الجنوب سيكون بمثابة نزهة ولكن بالحقيقة فإنّ قتل القيادات لا يعني قتل جميع مقاتلي حزب الله".
ويضيف "حاول (الاحتلال) الإسرائيلي القيام بعدة هجمات فيما بعد، إذ طوّر تكتيكه وعملياته ورغم ذلك كانت المقاومة شرسة وعنيفة، فقد استطاع أن يدخل في القرى الأمامية بعد قتالٍ عنيفٍ واستعمال مكثَّف للقدرات البحرية والجوية والمدفعية التي يمتلكها وتمكن من أن يدخل ويدمّر بعض القرى الأمامية ولكن وجوده داخل الأراضي اللبنانية كان بشكل مركز ومتواصل عرضة للاستهداف الناري"، مشيراً إلى أنّ "كل حركته داخل الأراضي اللبنانية وحتى على الحدود وفي النقاط العسكرية الإسرائيلية بالداخل الإسرائيلي استهدفت من قبل حزب الله بالصواريخ والمدفعية". وخلص الخبير إلى أن مناورة الاحتلال في التخوم الأمامية كانت مقيّدة ومحكومة بنيران حزب الله والقدرات التي يتمتّع بها.
كذلك يقول العميد جوني إنّ "الاحتلال حاول تطوير عملياته باتجاه رب ثلاثين والطيبة لكنه واجه مقاومة عنيفة، مع الإشارة إلى أنه اعتمد تكتيك المناورة والالتفاف وعدم المواجهة المباشرة وتجنّب الالتحام قدر الإمكان، وهذا ما حصل في عيتا الشعب ويحصل حالياً في الخيام، إذ حاول في عيتا الشعب أن يلتفّ على القرة من اتجاه الغرب بين عيتا وحانين ولا يزال يواجه مقاومة من داخل عيتا الشعب حتى الآن".
وأردف "في الخيام أيضاً، فتح خطّ قتال جديد يهدف إلى تشتيت جهود حزب الله وقدراته النارية، وحاول الالتفاف على البلدة من جهة الشرق بين الخيام والماري متجنّباً الدخول من سهل الخيام كما فعل عام 2006"، مشيراً إلى أن الاشتباكات العنيفة تدور الآن على التخوم الشرقية للخيام، "بحيث يريد الاحتلال السيطرة على البلدة نظراً لأهميتها الجغرافية ولرمزيتها، خصوصاً أنها تشرف على المستوطنات كما على الداخل اللبناني".
ويعتبر جوني أنّ الاحتلال الإسرائيلي "اقتنع بأنّ الدخول ليس سهلاً، لأنه سيتكبّد خسائر كبيرة لا يريد أن يتحمّلها واكتفى بالتالي بهذه المسافة، وتدمير القرى الحدودية وخلق ما يعرف بـ(بافر زون) أي بقعة خالية من المنازل والأشجار والحقول، باعتبار أنّ المنطقة المكشوفة تساعد في تحقيق أمن المستوطنات الأمامية في حين أنّ هذا الأمر ليس دقيقاً لأن أمن المستوطنات لن يتحقّق إلاّ باتفاق سياسي، لكون استهداف هذه المستوطنات أمرا ممكنا ومتاحا لحزب الله وإن كان من العمق اللبناني، بما في ذلك من البقاع".
انطلاقاً من هذا كلّه، يرى جوني أنّ "المواجهات البرية هي سلاحٌ بيد حزب الله لكن ليس للتفاوض بل سلاح لعدم إعطاء الإسرائيلي نقطة قوّة في التفاوض، في حين أنّ نقطة قوة حزب الله بالتفاوض هي المسيّرات والصواريخ التي تُفقِد إسرائيل أمنها وهذا الوضع الوحيد الذي سيقود إسرائيل بنهاية المطاف إلى التسوية بعد عجزها عن منع سقوط الصواريخ والمسيّرات الدقيقة والنوعية من الوصول إلى أهدافها".