مطلع عام 2016، شكَّل إطلاق العرض التجاري لـ Deadpool لتيم ميلر مفاجأة استثنائية. في الأعوام السابقة على هذا، مع الهوس بأفلام الأبطال الخارقين، لم يكن "بطل خارق آخر" من أبطال "مارفيل" خبرًا لافتًا للانتباه، خصوصًا أن لبطل الفيلم المذكور ريان رينولدز تجربة مفجعة مع الـ"كوميكس"، متمثّلة بالفيلم الفاشل Green Lantern (2011) لمارتن كامبل. كما أنه أدّى سابقًا شخصية ديدبوول نفسها في أحد الأجزاء الضعيفة في سلسلة "أكس مان" بعنوان "أصول أكس مان: وولفورين" (2009) لغافن هوود كخصم لوولفرين (هيو جاكمان).
مع عرض "ديدبوول"، تبيّن أنه فيلم استثنائي وجريء حقًّا بالنسبة إلى السينما الأميركية، بدءًا من تصنيفه الرقابي (R) لاحتوائه على مشاهد عنف ولغة حوار غير معتادة في تلك النوعية. والأهم كامنٌ في طريقته الحادة والمتطرّفة في السخرية من الأبطال الخارقين، واستخدامه أساليب سينمائية غير معتادة أصلاً في هوليوود، كتحطيم الجدار الرابع وحديث الشخصية مع المتفرّجين والقول إننا في فيلمٍ وإنه خيال... إلخ. نتيجة هذا الاختلاف مدهشة، إذْ أُعجب به الجمهور والنقاد معًا، وحقّق 783 مليونًا و112 ألفًا و979 دولارا أميركيا كإيرادات دولية مقابل ميزانية إنتاج تساوي 58 مليون دولار أميركي فقط، ما جعل تحقيق جزء ثانٍ منه مجرّد مسألة وقت.
غير أن هوليوود تقع دائمًا في معضلة الجزء الثاني لفيلم ناجح جدًا. فما إن تنجح شخصية ما، حتى يقرّر منتجوها استغلالها في سلسلة أفلام، وإنْ لم تكن هناك خطّة لذلك منذ البداية. في عملٍ مثل "ديدبوول"، كان عاملا "الدهشة والمفاجأة" أساس نجاحه. مع هذا، بدا نجاح جزء آخر على المستوى الفني تحديدًا مُستبعدًا. لكن، مرة أخرى، أثار "ديدبوول" مفاجأة سعيدة، أتاحت لفريق العمل (بقيادة ريان رينولدز) النجاة بجزء ثانٍ، يتفوّق على الفيلم الأصلي في مناحٍ عديدة.
في الـ30 دقيقة الأولى من "ديدبوول 2" (2018) لديفيد ليتش، تظهر التخوّفات كلّها بسبب استمرار عوامل نجاح الجزء الأول، بشكلٍ متطرّف ومساحة أقل من الضحك، لأن الدهشة زالت. يحاول ديدبوول الانتحار، وفي شرحه لماذا وإلى أين قاده ذلك، بلغة عنف وتكسير الجدار الرابع، يبدأ الفتور. ثم ينتهي هذا في البداية المتأخّرة للحبكة الأساسية التي يرتكز عليها الجزء الجديد: يأتي كابل (جوش برولين، ممثل مهم في أدوار الشر في عام 2018، بفضل "ديدبوول" و"آفنجرز: الحرب اللانهائية" لأنتوني وجو روسّو) من المستقبل ـ بطريقة مشابهة لسلسلة Terminator ـ لقتل الطفل الخارق فايرفست، صديق ديدبوول. يجمع الأخير فريقًا من الأبطال الخارقين، ساخرًا أثناء ذلك من "أكس مان"، مُطلقًا عليه اسم "أكس فورس" لإنقاذ الطفل ومواجهة الشرير.
أبرز مميزات الجزء الجديد اعتماده، بعد الـ30 دقيقة الأولى المحبِطة، على عوامل نجاح جديدة ومختلفة عن الأصل، أهمها القصّة التي ليست جديدة بحدّ ذاتها لكنها كافية لخلق إطار مختلف من الصراع. هناك عوامل أخرى أيضًا: الشخصيات، وعدم المركزية الدائمة لديدبوول في الحكاية، فهو يُتيح لكابل مجالاً ليُصبح بطل الفيلم ومحرّك أحداثه في أكثر من مرحلة، وأن يكون شخصية تستحوذ على اهتمام المتفرّج وانفعالاته، فتتغيّر المشاعر إزاءه أكثر من مرة. إلى جانبه، هناك أعضاء فريق "أكس فورس"، الباقون على قيد الحياة أو المتساقطون، فالجميع شركاء في البطولة وفي أدوارٍ مهمّة. هذا يُحسب لرينولدز وذكائه، فهو لم يتفوّق في أداء الشخصية فقط (التي يبدو كأنه ولد من أجلها)، أو في قدرته الخارقة على السخرية من نفسه كممثل ومن خياراته السابقة (في مشهد رائع وكوميدي جدًا بعد "جينيريك" النهاية)، لكن أيضًا في منحه تلك المساحات كلّها للآخرين.
بدورها، تظهر مشاهد الحركة ممتازة جدًا ومختلفة عما نشاهده هذه الأيام، فالهدف منها ليس الإبهار الصافي، بل إحداث كوميديا واستغلال القدرات الخارقة للشخصيات أو السخرية منها، فإذا بمشهد هبوط فريق "أكس فورس" ـ بالتداعيات كلّها التي جرت وراءه ـ رائع جدًا؛ أو كيفية بناء تتابع الحركة بإلقاء نكتة حول قوة فانيسا الخارقة، تقول (النكتة) إنها "محظوظة". بهذا كلّه، يختلف الاهتمام بالصراع والصدام وطريقة تطوّرهما عن المعتاد في أفلام الـ"كوميكس"؛ وصولاً إلى مشاهد الصراعات اليدوية (اللقاء الأول لديدبوول وكابل، تتابع الأكشن الختامي في "فيلاّ" الأيتام... إلخ.) المصنوعة بخبرة ديفيد ليتش وقدراته ومهاراته (له "جون ويك" الذي شارك في إخراجه مع شاد ستالسكي عام 2014 من دون ذكر اسمه، و"أتوميك بلوند" عام 2017)، فإذا بالنتيجة النهائية تتمثّل باكتشاف مناطق جديدة للتميّز والتجريب حفظت لـ"ديدبوول 2" عنصر الدهشة، وتجاوزت به المعضلة الدائمة للجزء الثاني بعملٍ مُكمِّلٍ لا يقلّ تميّزًا وأهمية عن الأصل.