وأوضح بومرانتسيف في مقال له على صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، اليوم الأحد، أن المفارقة التاريخية تتمثل في أن "الانتصار الغربي في الحرب الباردة كان أيضاً انتصاراً لحرية التعبير ضدّ الرقابة السوفييتية، وانعكس توفراً في تكنولوجيا المعلومات التي فتحت الأبواب أمام فيضان المعلومات، مما يصب في مصلحة الكرملين".
وأضاف الكاتب أن الكذب لم يعد نفسه بعد ثورة المعلومات، إذ في عهد الاتحاد السوفييتي السابق، عندما "كانت الاستخبارات السوفييتية تروج أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية صنعت فيروس الإيدز في الثمانينيات، بذلت مجهوداً كبيراً لتسويق كذبتها".
حينها، ابتكرت موسكو دليلاً طبياً، فعرضت طاقما من علماء الطب الحيوي من ألمانيا الشرقية باعتبارهم علماء فرنسيين، ونشرت الخبر في الصفحة الأولى بصحيفة هندية، وظهرت القصة في 80 دولة بـ30 لغة. عندما اتهمت الولايات المتحدة الأميركية الاتحاد السوفييتي بنشر الأكاذيب، ردّ الرئيس السوفييتي حينها، ميخائيل غورباتشوف، غاضباً ومستنكراً اتهام نظامه بالكذب، وفقاً للكاتب.
ولفت الكاتب إلى أن بوتين ينخرط حالياً في "برنامج متواصل من الأكاذيب"، عبر استخدام وسائل البث الحكومية والمواقع الإلكترونية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي على النطاق العالمي. وعرض بومرانتسيف أمثلة عدة، مثل "محاولات الكرملين إثارة المشاعر ضد اللاجئين في ألمانيا وضد المستشارة أنجيلا ميركل"، عبر الترويج لخبر اغتصاب فتاة روسيا من قبل لاجئين في ألمانيا، والتشكيك في نزاهة الاستفتاء حول استقلال اسكتلندا، والترويج لتصنيع الولايات المتحدة الأميركية فيروسي "إيبولا" و"زيكا".
وأشار الكاتب إلى أن الكرملين لا يهتم بالتزوير المعقد للمعلومات، بل يضخ، بكل بساطة، القصص على شبكة الإنترنت. إذا أثبتت وسائل الإعلام زيف القصص، يضخ المزيد. ولفت إلى نفي بوتين وجود قوات روسية في أوكرانيا، ثم إقراره بوجودها، لأنه "لم يهتم بأنه يكذب أو لا يكذب بل بنجاحه في الترويج"، وفقاً للكاتب.
وشدّد على التغيير الكبير الذي أحدثته ثورة المعلومات في الإعلام وطريقة تلقي الناس للمعلومات، عبر محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي التي تسمح للناس باختيار الأخبار التي تناسب ميولها وتوجهاتهم، مما يؤدي إلى مزيد من الانغلاق على الآخرين.
(العربي الجديد)