وأدى المشاط "اليمين الدستورية" أمام مجلس النواب وسط شكوك في تأمين النصاب القانوني، فيما حرص على أن يكون الخطاب الأول له كـ"رئيس" للسلطة الانقلابية مليئاً بلغة التهديد والوعيد، إذ اعتبر المشاط أن "قتل الصماد جريمة استهداف لرمز من رموز اليمن". وفيما حمّل "الإدارة الأميركية مسؤولية ما أقدم عليه النظام السعودي بحمايتها ورعايتها وسلاحها من اغتيال الرئيس الصماد"، أشار إلى أن "العدو أرادها حرباً مفتوحة وعليه تحمل تبعات ذلك". كما اعتبر أن "العدو يفاقم أخطاءه، ويضاعف حجم التطابق والتشابه بينه وبين حلفائه من القاعدة وداعش". وفيما شدد على أنه "لا مشروعية للعدوان على اليمن وأن الهدف هو احتلال بلد مستقل"، أضاف "مستمرون على قاعدة السلام المشرف ومبدأ الشراكة والتكافل والتكامل بين القوى الوطنية".
وجاء أداء المشاط اليمين أمام البرلمان الذي كان من المقرر أن تنتهي فترته في العام 2009، ليثير شكوكاً حول صحة تأمين النصاب القانوني اللازم لعقد الجلسات، والذي يتطلب حضور نصف الأعضاء. واستبعدت مصادر قريبة من البرلمان، في حديث مع "العربي الجديد"، إمكانية توفر العدد اللازم من الأعضاء لعقد جلسة (يتطلب ما يزيد عن 130 عضواً)، فضلاً عن أن ما تبقى منهم في العاصمة صنعاء، كانوا في الأصل أو أغلبهم، من المحسوبين على حزب المؤتمر برئاسة علي عبدالله صالح، الذي قتله الحوثيون، وحاولوا أن يرثوا أدواته السياسية. كما ترفض الحكومة الشرعية الاعتراف بشرعية كل ما يصدر عن البرلمان الواقع تحت سيطرة الحوثيين. كذلك ترى الحكومة الشرعية أن العديد من القيادات البرلمانية من حزب صالح في صنعاء، تتصرف بشكل أو بآخر، تحت ما يشبه الإقامة الجبرية، منذ الأحداث التي شهدتها العاصمة اليمنية في ديسمبر/كانون الأول 2017.
ويأتي تنصيب المشاط في مشهد تراجيدي، تمثل فيه الجماعة دور الدولة من خلال سيطرتها على المؤسسات الحكومية. ولا يكمن ضعف هذه السلطات، فقط بغياب الاعتراف الدولي بسلطتها، بل كذلك، على المستوى الداخلي للجماعة.
وعلى الرغم من أن المشاط أصبح ابتداء من يوم أمس الرجل الذي يناديه الحوثيون بـ"فخامة الرئيس"، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي تصدر التعيينات مهمورة بتوقيعه، بناء على التعيين الذي حصل شكلياً من قبل "المجلس السياسي"، إلا أن القرار الأول والأخير لزعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي الذي يعدّ المشاط سكريتره الخاص.
ويعد المشاط الرئيس الثالث في سلسلة الرؤساء الذين نصبهم الحوثيون، ولم تعترف بهم تقريباً أي دولة. فبعد شهور من اجتياح الجماعة لصنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، أصدر ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا" ما سُمي بـ"الإعلان الدستوري" وذلك في السادس من فبراير/شباط 2015. وبموجبه جرى حل مؤسسات الدولية، من الرئاسة إلى الحكومة إلى مجلسي النواب والشورى، لتُسند السلطة إلى "اللجنة الثورية"، المسؤولة عن إصدار الإعلان، وتألفت من 15 عضواً، برئاسة محمد علي الحوثي، وهو أحد القيادات البارزة في الجماعة، وتحول إلى أول "رئيس" أو قيادي يسيطر على منصب "الرئيس" في صنعاء، وتصدر عنه القرارات والتوجيهات التي هي من اختصاص رئيس الجمهورية.
استمر الحوثي في منصب (الرئيس)، حتى استطاع حزب صالح، إبرام اتفاق مع الجماعة، يسمح له بالدخول شريكاً في "السلطة الانقلابية" إلى جانب الحوثيين، واتفق الطرفان في أواخر يوليو/تموز 2016 على تشكيل ما سُمي بـ"المجلس السياسي الأعلى"، مؤلفاً من عشرة أعضاء، بالمناصفة بين الطرفين، وسمح الاتفاق بإعادة البرلمان (المحسوب على صالح)، بعد أكثر ما يقرب من عام ونصف على حله من قبل الحوثيين، ومع ذلك، فقد بقي محمد الحوثي، فاعلاً يُتهم بالتدخل في مؤسسات الدولة وعملها ويسيطر عبر ما يُسمى بـ"اللجان الثورية"، بعد الاتفاق المفترض أنه قد أنهى مسمى اللجنة.
وبموجب اتفاق "المجلس السياسي الأعلى"، تبوأ صالح الصماد، القيادي الذي يُحسب على التيار المعتدل في الجماعة، منصب رئيس "المجلس"، وأصبح ثاني رجلٍ في موقع الرئيس بسلطة الحوثيين غير المعترف بها، وباسمه تصدر القرارات. وكان يتمتع بعلاقة جيدة مع فريق صالح، إلى ما قبل الشهور الأخيرة لتصاعد الخلافات، أدى الفرز إلى جعل "المجلس" الذي يترأسه، مجرد أداة من أدوات الحوثيين، استطاعوا أن يمنعوا صالح من تمرير خطوات عبرها، بعد أن أدركوا أن التحالف بينهما يعيش مرحلة الاحتضار. ويقول أحد الإعلاميين الحوثيين، وهو أسامة ساري، في مقالة كتبها، إن الصماد أبلغه في رسالة عبر "واتساب"، أنه لا يصدر أي قرار دون موافقة زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وذلك في سياق عتاب على انتقادات وُجهت له من ناشطين في الجماعة، بسبب بعض القرارات، وظل الصماد يتصرف كـ"رئيس"، في نطاق سيطرة الحوثيين، وإن كان مجرد واجهة لا تملك القرار الفعلي، حتى مقتله في الـ19 من أبريل/نيسان الجاري بغارة جوية.
في غضون ذلك، تختلف مرحلة تنصيب المشاط عن الحوثي والصماد، إذ أن محمد علي الحوثي، أصدر إعلانه الذي بموجبه نصب نفسه رئيساً، وكانت الجماعة ما تزال في مرحلة قوة قبل بدء الحرب بقيادة السعودية، ولم يكن من المتوقع أن يستمر الحوثي ولجنته الثورية في واجهة "السلطة الحوثية" لما يقرب من العام ونصف العام، لولا الحرب التي خلطت الكثير من الأوراق في البلاد، أما الصماد فقد جاء مدعوماً من تحالف الحوثيين - صالح، الذي انهار رسمياً أواخر العام الماضي، فيما يأتي المشاط، في مرحلة أصعب بالنسبة للجماعة، بعد مقتل الصماد، وفي ظل متغيرات الفترة الماضية، التي وسعت من دائرة خصوم الحوثيين، بسبب انهيار تحالفاتها الرئيسية، واستمرار الحرب وما خلفته من آثار كارثية على البلاد، فضلاً عن عدم وجود اعتراف دولي أو اكتساب سلطة الجماعة، أي مشروعية تؤهلها لتخفيف وطأة الأزمة عن البلاد.