01 يونيو 2017
"رتويت"... من أجل سورية
من المثير أن تستمر اليوم مساءلة الدور السياسي الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من كل الأحداث التي ساهمت تلك المواقع بتشكيلها بصورة أو أخرى. والأكثر إثارة أن يتم التساؤل بشأن هذا الدور في العالم العربي الذي فاجأته موجة ثورات 2011، إلى الحد الذي أطلق عليها بعضهم، بغير وجه حق، لقب "ثوارت الفيسبوك".
يدرك الجميع دور الإعلام السياسي المهم في التأثير على الرأي العام، ومحاولة تشجيع خطواتٍ على الأرض، أو منع أخرى. وهذا قديم، ويمكن قراءة أصله عند العرب في الشعر الذي كان قادراً على إثارة الحروب وإخمادها. وقبل عصر الإنترنت، تظهر تلك الأهمية في الحرب الباردة على سبيل المثال، عندما عمد الإتحاد السوفييتي إلى إيجاد "جدار حديدي" حول شعبه، حاول الأميركييون اختراقه إذاعياً عن طريق "صوت أميركا"، وحتى عبر وسائل أخرى، مثل تهريب أدوات طباعة عبر الحدود.
استمرت هذه السياسات في عصر الإنترنت أيضا، كما نرى في محاولات أميركا (من خلال وزارة الخارجية) دعم برمجياتٍ لتجاوز سيطرة الحكومات على الإنترنت، كما في إيران والصين، وإن كانت البرمجيات "الحكومية" الأميركية أضعف بكثيرٍ من التي يصمّمها متخصصون يقعون خارج الدولة.
في الثورة السورية هذه الأيام، ومع كل الإحباط والشعور بخذلان العالم السوريين، يعود بعضهم إلى لوم وسائل التواصل الإجتماعي، باعتبارها "لم تقم بما يجب" و"لم تنفع السوريين". وأن وسائل التواصل تحوّلت إلى مجال "رفع عتب" و"إرضاء النفس"، عبر الكتابة والتغريد، من دون أن يكون لهذا الفعل دور في تغيير الواقع المخيف على الأرض.
وهنا، يمكن الإشارة إلى ثلاثة أدوار سياسية يمكن للإعلام لعبها. يتعلق الأول بالتأثير في قرارات الحرب والسلم. ومن الواضح أنه لا الإعلام، ولا ما ينتج عنه من حراكٍ على الأرض، قادر على التأثير في قرارٍ كهذا في معظم الحالات، فرئيس وزراء بريطانيا، توني بلير، أرسل الجيش البريطاني لاحتلال العراق، على الرغم من المظاهرات المليونية الرافضة قراره هذا، والتي جابت شوارع لندن في 2003. واستمرت الحكومة الأميركية في دعم إسرائيل، على الرغم من مظاهراتٍ شهدتها مدن أميركية، مثل شيكاغو ونيويورك، رفضا للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 2014.
هناك اختراقات بالتأكيد، فالحملات الإعلامية ساهمت في إجبار الكنيسة الكاثوليكية على مواجهة حالات التحرّش بالأطفال في الكنائس، كما أن المظاهرات التي تمت الدعوة إليها بواسطة الرسائل القصيرة (SMS) ساهمت في إزاحة الرئيس الفيلبييني، جوزيف استرادا، في 2001. وهنا، نتحدث عن تأثير الإعلام المباشر وغير المباشر.
يتعلق الدور الثاني الذي يمكن للإعلام لعبه بالدعم الإنساني لضحايا النزاع. وهذا يتجلى بصورة أوضح في الحالة السورية وحالات أخرى، فالكتابة عن الجرائم والفظائع المرتكبة في نزاع مسلح، ينشئ رأياً عاماً راغباً بالمساعدة، ويمكن توجيهه إلى دعم حملاتٍ إنسانية، وجمع تبرعاتٍ تساعد في تخفيف آلام الضحايا بشكل ملموس، كما يحدث في الدعم الموجه إلى مخيمات اللاجئين. ينفي هذا النموذج أن الكتابة الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي بلا قيمة، خصوصاً وأنها تتيح المجال لقطاعات مختلفة من المجتمع، للتعبير عن أنفسهم من دون وسيط.
أما التأثير الثالث لمثل تلك الحملات، فهدفه التأثير على المدى البعيد، خصوصاً في النزاعات التي تتعدّد الروايات والسرديات حولها. وهذا مهم، كموقف سياسي وأخلاقي، وله علاقة بذاكرة الشعب وقيمه. فالوقوف لفضح المستبد وكشف جرائمه لن يكون بلا معنى، ما دام يعزّز قيماً مضادة للاستبداد ولتلك الجرائم. وهنا لا ننسى أن دولاً (مثل القوانين الفرنسية عن إنكار الهولوكوست) تسن قوانين لترسيخ سردية تاريخية ونفي أخرى، وإن كانت هذه الخطوة سخيفةً ومضادة للحرية، في حالة تبنتها الدولة، لكنها توضح أهمية صراع السرديات، إن صح الوصف، وتأثيره على المدى الطويل في تاريخ البشر.
يدرك الجميع دور الإعلام السياسي المهم في التأثير على الرأي العام، ومحاولة تشجيع خطواتٍ على الأرض، أو منع أخرى. وهذا قديم، ويمكن قراءة أصله عند العرب في الشعر الذي كان قادراً على إثارة الحروب وإخمادها. وقبل عصر الإنترنت، تظهر تلك الأهمية في الحرب الباردة على سبيل المثال، عندما عمد الإتحاد السوفييتي إلى إيجاد "جدار حديدي" حول شعبه، حاول الأميركييون اختراقه إذاعياً عن طريق "صوت أميركا"، وحتى عبر وسائل أخرى، مثل تهريب أدوات طباعة عبر الحدود.
استمرت هذه السياسات في عصر الإنترنت أيضا، كما نرى في محاولات أميركا (من خلال وزارة الخارجية) دعم برمجياتٍ لتجاوز سيطرة الحكومات على الإنترنت، كما في إيران والصين، وإن كانت البرمجيات "الحكومية" الأميركية أضعف بكثيرٍ من التي يصمّمها متخصصون يقعون خارج الدولة.
في الثورة السورية هذه الأيام، ومع كل الإحباط والشعور بخذلان العالم السوريين، يعود بعضهم إلى لوم وسائل التواصل الإجتماعي، باعتبارها "لم تقم بما يجب" و"لم تنفع السوريين". وأن وسائل التواصل تحوّلت إلى مجال "رفع عتب" و"إرضاء النفس"، عبر الكتابة والتغريد، من دون أن يكون لهذا الفعل دور في تغيير الواقع المخيف على الأرض.
وهنا، يمكن الإشارة إلى ثلاثة أدوار سياسية يمكن للإعلام لعبها. يتعلق الأول بالتأثير في قرارات الحرب والسلم. ومن الواضح أنه لا الإعلام، ولا ما ينتج عنه من حراكٍ على الأرض، قادر على التأثير في قرارٍ كهذا في معظم الحالات، فرئيس وزراء بريطانيا، توني بلير، أرسل الجيش البريطاني لاحتلال العراق، على الرغم من المظاهرات المليونية الرافضة قراره هذا، والتي جابت شوارع لندن في 2003. واستمرت الحكومة الأميركية في دعم إسرائيل، على الرغم من مظاهراتٍ شهدتها مدن أميركية، مثل شيكاغو ونيويورك، رفضا للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 2014.
هناك اختراقات بالتأكيد، فالحملات الإعلامية ساهمت في إجبار الكنيسة الكاثوليكية على مواجهة حالات التحرّش بالأطفال في الكنائس، كما أن المظاهرات التي تمت الدعوة إليها بواسطة الرسائل القصيرة (SMS) ساهمت في إزاحة الرئيس الفيلبييني، جوزيف استرادا، في 2001. وهنا، نتحدث عن تأثير الإعلام المباشر وغير المباشر.
يتعلق الدور الثاني الذي يمكن للإعلام لعبه بالدعم الإنساني لضحايا النزاع. وهذا يتجلى بصورة أوضح في الحالة السورية وحالات أخرى، فالكتابة عن الجرائم والفظائع المرتكبة في نزاع مسلح، ينشئ رأياً عاماً راغباً بالمساعدة، ويمكن توجيهه إلى دعم حملاتٍ إنسانية، وجمع تبرعاتٍ تساعد في تخفيف آلام الضحايا بشكل ملموس، كما يحدث في الدعم الموجه إلى مخيمات اللاجئين. ينفي هذا النموذج أن الكتابة الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي بلا قيمة، خصوصاً وأنها تتيح المجال لقطاعات مختلفة من المجتمع، للتعبير عن أنفسهم من دون وسيط.
أما التأثير الثالث لمثل تلك الحملات، فهدفه التأثير على المدى البعيد، خصوصاً في النزاعات التي تتعدّد الروايات والسرديات حولها. وهذا مهم، كموقف سياسي وأخلاقي، وله علاقة بذاكرة الشعب وقيمه. فالوقوف لفضح المستبد وكشف جرائمه لن يكون بلا معنى، ما دام يعزّز قيماً مضادة للاستبداد ولتلك الجرائم. وهنا لا ننسى أن دولاً (مثل القوانين الفرنسية عن إنكار الهولوكوست) تسن قوانين لترسيخ سردية تاريخية ونفي أخرى، وإن كانت هذه الخطوة سخيفةً ومضادة للحرية، في حالة تبنتها الدولة، لكنها توضح أهمية صراع السرديات، إن صح الوصف، وتأثيره على المدى الطويل في تاريخ البشر.