في السنوات الأخيرة، ركّز إعلام النظام السوري على إشراك المرأة السورية في البروباغندا الخاصة به وبخطابه الجماهيري، وسعى إلى عسكرة حياتها، بطريقة أو بأخرى، واعتبارها جزءًا من نضاله وحربه ضد الإرهاب. فتراه مرةً يستعين بمفاهيم المواطنة والجندرة، في محاولة لتشجيع النساء على الانضمام إلى صفوف الجيش العربي السوري، كما هو الحال في الفيلم الوثائقي "ضفائر النار"، ومرة تراه يدعو النساء إلى التضحية برجالهن ودفعهن إلى تأدية الخدمة العسكرية، كما هو الحال في فيلم الروائي الطويل "زينة".
على الرغم من أن فيلم "زينة" من إنتاج خاص، حيث تولى إنتاجه مخرج وكاتب العمل، معن جمعة، إلا أنه يمثل السياسة التي يجب أن يتبعها صناع الأفلام لتدعمهم المؤسسة العامة للسينما في سورية، وتسمح لهم بعرض أفلامهم في دور العرض السينمائية الرسمية، إذ يتوجّب على تلك الأفلام أن تلتزم بالقضايا الوطنية، وهذا ما يفسر تهميش جميع الأفلام للمخرجين الشباب خارج هذا السياق.
يدور فيلم "زينة" حول حياة زوجين، هما "ممدوح"، الذي يؤدّي دوره لجين إسماعيل، و"زينة"، التي تؤدي دورها الشابة علياء سعيد كأولى تجاربها التمثيلية. يتم استدعاء "ممدوح" إلى خدمة الجيش السوري للقتال في صفوفه، ضمن قائمة الخدمة الاحتياطية، فيلبي "نداء وطنه". وفي أحد الأيام يصاب ويُلقى جريحاً في أحد الأماكن المحاصرة من قبل "الإرهابيين"، حسب تعبيرهم، فتقوم زوجته "زينة" باللحاق به والبقاء معه طيلة مدة الحصار، التي تدوم عشرة أيام. وينتهي الفيلم بموت "ممدوح" ونجاة "زينة".
ولكن لا يتم سرد تفاصيل هذه القصة بشكل خطي، بل يسير الفيلم بشكل لا يخلو من العشوائية، إذ إن لقطات العمل أخذت باعتبارها فيديوهات سجلها بطلا العمل لنفسيهما في موقع الحصار، بطريقة أشبه بفيديوهات السيلفي، ولا تتسلسل الفيديوهات بتسلسل زمني واضح. وبذلك يميل المخرج إلى إيجاد مبرر نابع من داخل الفيلم لتصويره، وهو أمر راج في السينما الأميركية منذ بداية الألفية، فسبق أن شاهدناه ف العديد من الأفلام مثل "127 hours" و"Borat".
يحاول الفيلم أن يوصل العديد من الرسائل ويرسم العديد من الأفكار، أبرزها: رسم صورة حضارية لجنود الجيش العربي السوري، وذلك من خلال إبرازهم كأشخاص مهتمين بالفنون والمظاهر الحضارية؛ إذ يبدأ المشهد الأول من العمل بتسجيل يبيّن شراء "ممدوح" كاميرا لزوجته المهتمة بالتصوير كهدية لها، ويغطي الفيلم الجانب الوحشي للجنود في الجيش وما يقومون به من جرائم، من خلال تسليط الضوء على الحياة العاطفية لهم.
يكرس الفيلم المفهوم النمطي لدور المرأة كزوجة، ويأتي هذا التكريس من خلال عبارة مباشرة وفجة في الحوار، تلخص مهام المرأة من الاعتناء بالمنزل والحمل والولادة والتربية، حيث يرد في الفيلم على لسان شخصية "زينة": "زراع البصلة وأنا بسقيها، أنا بدي تزرع كلشي وأنا بسقيه"، وهنا يكرس الفيلم الدور التكميلي والثانوي للمرأة، بعد أن يقدم الرجل على الفعل الأساسي.
ويزجّ الفيلم مفهوم التضحية كواجب وطني للمرأة السورية، إذ تعرّض "زينة" حياتها للخطر لتلحق بزوجها في المناطق المحاصرة كي تقدم الدعم المعنوي له، وتقوم "زينة" بالرقص والغناء لزوجها خلال الحصار بهدف الرفع من معنوياته، وكأن المرأة السورية هي عبارة عن مشجعة، تستعين بمفاتن جسدها لتحميس الجنود.