في مدّة وجيزة للغاية، استطاعت المُغنّية والمؤلّفة الأميركية تايلور سويفت (1989)، بلوغ الشهرة، واحتلال مكانة كبيرة في فنّ الـ"بوب" في العالم، وحصد جوائز كثيرة، إلى حدّ "تهديدها" عرش مايكل جاكسون، بعدد الجوائز التي حصلت عليها في شبابها الأول.
في العام الماضي، حدثت مفاجأة في حفلة موسيقية، حصلت سويفت بفضلها على 6 جوائز، مُتغلّبة بهذا على جاكسون، ما أثار فرحاً كبيراً في جمهورها، إذْ تمكّنت من تحدّي ملك الـ"بوب" الأميركي. الأمر ليس سهلاً على فتاة مولودة في بنسلفانيا، وعاملة بجدّ لتُصبح رمزاً جديداً لتلك الموسيقى الأميركية، ولاعتبارها "سيّدة أميركا"، كما في الوثائقيّ المُنجز عام 2020 بعنوان "تيلور سويفت: ملكة جمال أميركا"، للأميركية لانا ويلسن، المعروض حالياً على المنصّة الأميركية "نتفليكس".
الوثائقيّ مُخصّص لسيرة سويفت، الساعية إلى تكريس قيمتها الغنائية، بعرض أشرطة تسجيلية عن حياتها وسهراتها وحفلاتها. أمورٌ تضمر في طياتها وطريقة عرضها بُعداً ترويجياً ودعائياً للمكانة التي تحظى بها كفنانة ومؤلّفة أغانٍ من الجيل الجديد، اقتحمت مخيّلة الجمهور العالمي بأغانيها وأشرطة "فيديو كليب" مُغايرة، وبطريقة مسرحة جسدها أمام ملايين عشّاقها وعشّاق أغانيها. ركّزت لانا ويلسن بشكل مُفرطٍ على الأضواء والشهرة وعامل الجمهور في صنع صُوَر أيقونية عنها، وعن حياتها الأرستقراطية.
تتتالى الصُوَر الأيقونية باستطراد كبير، تنفي معها قيمة الوثائقيّ ومدى قدرته على التقاط تفاصيل صغيرة من حياتها، التي لم تكنْ صعبة بالنسبة إلى بورجوازية وجدت نفسها في الغناء أمام تصاعد ثقافة الاستهلاك في المجتمع الأميركي، منذ بداية الألفية الجديدة. معايير الجمال والذوق الفني تتغيّر وتنهار، وتحلّ محلها قيم ومفاهيم جديدة عن الفنّ، لا تخرج بمُجملها عن تنميطات ترفيهية. يتبدّى هذا جيداً في الوثائقيّ، الذي لم تلتقط ويلسن فيه تفاصيل حكاية "النجمة"، ولم تنجح في خلق صُور فنية تليق بفيلم وثائقيّ، نظراً إلى افتقاره لمفهوم الحكاية التي تُؤسّس عادة وبشكل خفيّ مسار مَشاهدها السردية، والتي يُرجّح أنّ قصّة سويفت نفسها لا تصلح لأنْ تكون مادة فيلمٍ وثائقيّ، نظراً إلى شهرتها وحياتها وشخصيتها، وإلى السياق التاريخي الذي أفرز مسارها الغنائي، مقارنة بتجارب غنائية أخرى.
هذا كلّه أخرج مسار الحكاية عن جمالياته المعهودة في فيلمٍ وثائقي، يستند عادة إلى أرشيف وتاريخ، ويقبض على العابر والزائر والمُتلاشي واللامُفكَّر فيه، فضلاً عن التنقيب عبر استطلاع آراء عن مساهمات سويفت في مجالها، عوض الارتكاز على صُوَر أيقونية، والتوقف عند أهمية الجمهور في حياتها الخاصّة، وفي فناء منزلها. هذا ليس مُهمّاً، إذْ يتشاركه مُغنون ومُمثلون كثيرون في هوليوود، وإنْ بدرجات مُتفاوتة من الحبّ والتبجيل. بالتالي، فإنّ الاهتمام بهذه الحيثيات البرّانية لا تُفيد الوثائقيّ إلّا بوصفها مؤثّرات بصرية تزيد من حدّته ووقعه في قلوب المُشاهدين، وجماليّات الحكي عوض الجري وراءها كموضوع يُؤسّس سيرة سويفت، فإذا بالمخرجة تسقط في إنتاج صُور أيقونية عن مفهوم النجم، والارتكاز على سحر تلك الصُور ظاهرياً.
أمر دفع المُفكّر الفرنسي إدغار موران إلى تأليف كتابٍ عن النجومية الفنية، التي بنظره "أحد ميثولوجيات العصر"، فالحياة اليومية للنجم باتت تُمثّل استمراراً لما يعتمل على خشبة المسرح وفي بلاتوهات التصوير. فالفنان لا يتحرّر من قناع النجم وزيفه، ليُصبح شخصاً عادياً ينتمي إلى العالم الحقيقيّ. لذا، تبدو لانا ويلسن كأنّها تلجأ إلى هذا النمط من الصُوَر لإنقاذ عملها الوثائقيّ من الضياع والتآكل، بسبب هزالة النصّ، وضعف الحكاية، وتوثيقها أو تخييلها.
المُهمّ والجميل في الفيلم غوص لانا ويلسن، في مَشاهد قليلة جداً، في حميمية حياة تايلور سويفت وتلقائيّتها ورشاقتها في التفاعل مع سيرتها عبر الحكي، وانسيابية جسدها في صُوَرٍ في منزلها، وفي ثنايا حياتها المهنيّة، في الاستديو والسيارة وكواليس الحفلات والتدريبات السابقة على العروض المباشرة، وفي تسجيلاتٍ من طفولتها وشبابها، بعيداً عن جمهورها، التي (التسجيلات) كان يُمكنها تشكيل مادة بصرية غنيّة لحياتها، لطابعها الذاتيّ والحميميّ، الذي يُغذّي هذا النوع من الصُوَر، الغائصة عميقاً في جسد المُمثلة، وفي مفهوم الصورة الوثائقية، للحفر في ذاكرتها الفردية بحثاً عن المُتواري، الذي يجعل المخرجة راغبة في إنجاز فيلمٍ وثائقي، ويدفع المُشاهد إلى التطلّع إلى النجمة عبر سيرتها الجريحة والخفية والمكبوتة في تفكيرها، عِوض الركون إلى أخبار واعترافاتٍ عامة عن حياتها، يعرفها الناس بفضل الصحافة.