في "شازام" (2019)، يحاول السويدي ديفيد أف. ساندبرغ (1981)، إطلاق بطل جديد في سوق التسلية. بطل أصوله من حكمة سليمان وعضلات هرقل. يحارب الخطايا السبع في المدينة المعاصرة. يشبه الآلة في الصلابة والفعالية، إذْ لديه سرعتها وقوتها. الأهمّ، أن هذا البطل الوافد يملك قلبًا صالحًا، لذا لن تجرفه الخطايا.
للفيلم مرجعيات بصرية وسردية عريقة، تعود إلى كهفٍ تسكنه الخطايا البشعة، وتقليد تسلّم الحكمة من يد شيخ على وشك الرحيل. يترافق ذلك مع مبالغات خيالية في الضرب والفرار والتحوّل. الإيقاع سريع، يُفترض به أن يكون مُشوّقًا، لكنه في الحقيقة يُنتج خواءً.
هندسة اللقطات مشغولة بطريقة تُحدِث ردود فعل ذات طابع عاطفي. يعتقد المُشاهد أن القدر يُعاقِب الأوغاد. يؤكّد ساندبرغ هذا الاعتقاد في كلّ لقطة صدام. البطل الاستثنائي، المنتصر بسهولة، أول من يتعجّب منها.
تحدّث رولان بارت عن شهوة الجمهور وتعطّشه للأكاذيب. قدّم المخرج للجمهور جرعة زائدة معلّبة في إخراج مفخَّم. الجمهور متعطّش للجديد، لذا فإن المبالغات تساعده على مكافحة الملل. المؤثّرات البصرية والصوتية أهمّ من أداء الممثلين. النتيجة أنّ الفيلم أشبه بلعبة فيديو، لأن بطله مُتحرّر من قانون الجاذبية، فهو يقفز ويطير ويكبر ويصغر. بطل لا يخترق الرصاص جسده. يشبه ِسَير المسيحيين في عهود الاضطهاد، لا شيء يؤلمهم من فرط إيمانهم. بطل يعد بأسرار مغايرة للقيام بمهمة قديمة: مكافحة الخطايا السبع (الكبائر في الثقافة الإسلامية).
هناك حرص مستمر للإحالة على السرد الديني، لغرس جذور للسيناريو. لا توجد حظوظ انتشار كبيرة لقصّة لا امتداد لها في الذاكرة الجماهيرية. لذلك، يبني ساندبرغ قصّة فيلمه بالارتكاز على معارف حكائية مسبقة للمُشاهد.
تتجلّى الإحالة في جعل البطل ـ الفعل العجائبي وسيلة لحماية المضطهدين في مدرسته. خدمة للضعفاء. ينجح البطل في كلّ اختبار أمام أعدائه الظالمين. تنتقل الأفعال الخارقة من الآلهة الوثنية القديمة إلى القديسين المسيحيين. يتغيّر الفاعل، لكن الوظيفة لا تُمَسّ، كما يوضح فلاديمير بروب في كتابه "مورفولوجية الخرافة". لا يريد القديس شيئًا لنفسه، فهو زاهد وخدوم. أفعاله الخارقة تنتقل إلى الأبطال المعاصرين، كـ"سوبرمان" و"باتمان" و"شازام". هذه محاولة للعودة بالفن السابع إلى ما قبل المرحلة الوضعية التجريبية والاستقرائية.
ارتبط الفن بالدين على مرّ التاريخ، لكن الانفصال بينهما لم يحدث إلّا في القرون الـ3 الأخيرة، بحسب هربرت ريد في "ما الفن؟"، حين بدأت الاكتشافات العلمية تُظهر الحقائق وتُبطل الأساطير. حاليًا، تستثمر السينما السرد الديني والميثولوجيا القديمة لإحياء الأساطير، التي حاول العقل الحديث إبطالها.
في "شازام" هناك انتقال زمني ومكاني هائل، من شارع مُضاء في مدينة معاصرة إلى كهف مظلم، ومن القرن الـ21 إلى ما قبل الميلاد. يحاول ديفيد أف. ساندبرغ ربط الماضي بالحاضر بخيوط سردية وبصرية. لكن المُشاهد يشعر بهزّة، لأن حواسّه لا تتقبّل قفزات ارتدادية كهذه. لا يُصدِّق المُشاهد رغم كثرة الضجيج الذي لا يفلح، للتغطية على حبكة مصطنعة تعاني "أنيميا". التصنّع يفرز سردًا مُصابًا بفقر الدم.
بهذه الصفات، يلتقي "شازام" بأفلام كثيرة تشبهه. يذكر "غوغل" أفلامًا تنتمي إلى النوع نفسه، محقِّقةً أكثر من مليار دولار أميركي كإيراداتٍ في أقلّ من عام. هنيئًا لاستوديوهات "مارفيل".
هكذا تُقدّم مواقع التسويق الإلكترونية تصنيفًا وإحصاءً عن ذوق المُشاهدين. تصنيفًا يساعد تجّار السينما العالمية على التقاط النغمة التي تناسب جمهورًا يُدمن شاشات الهاتف المحمول، مقولبةً ذوقه ومنمّطة إياه، ومرغِمة المخرجين على مسايرته بإعادة إنتاج نوع فيلمي مُربح.
أرقام المُشَاهدة والمداخيل تفسّر كلّ شيء. هوليوود تعرف ما يطلبه المشاهدون، الذين يتسكّعون بين ملصقات الأفلام. غالبًا ما يُقرِّر طفلٌ أو مراهق لأبويه فيلمًا يُشاهدانه. فيلم يقولب حياة المُراهق ويعوِّض له أمانيه البطولية، ومُراهق مدينيّ عدوانيّ لن يجد ذاته في العاطفية المفرطة الساذجة لبطل الأفلام الهندية.
بعد "أنابيل 2: خلق الشر" (2017)، المُربح ماليًا، يستثمر السويدي ساندبرغ مجدّدًا في الـ"أكشن" العجائبيّ، المتفوّق على الأنواع الفيلمية الباقية. هذا النوع الفيلمي يحتوي على أنواع عديدة من الأبطال: من يتصرّف كملك، ومن له صدر ممتلئ وبطن بعضلات مسطّرة، والخارق المتحرّر من قوانين الفيزياء. هناك أشياء سحرية مشعّة، وقفز من حاضر صعب إلى ماضٍ سحيق يعد بالخلاص. مستحيلات تحصل، ولا صلة بين علّة ومعلول، وسرد أسطوري لمُشاهد يُفترض به أن يكون حداثيًا بمنطق ميتافيزياقي. بالإضافة إلى أخيارٍ بالمطلق ضد أشرارٍ بالمطلق، مع جمل حوارية قصيرة وبديهية عن العدالة، ووقائع ضخمة، وصفر دراما، لأنّه لا أثر للعامل البشري في الأفعال.
يؤسّس النوع الفيلمي مواضيع معينة، يعرفها المخرج والمُشاهد، لها أثر في التلقّي.
هذا كلّه لا ينفي أن "شازام" فارغٌ ومُملّ.