وعلى الرغم من رحيل إسكندر عن هذا العالم، منذ أكثر من 7 أعوام، إلا أنّ صوت أغانيها التي اشتهرت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، لم يخبُ حتى يومنا هذا.
وتؤكد الباحثة الاجتماعية زينب الربيعي (40 عامًا)، أنّ تلك الأغاني هي بمثابة هوية العراق الغنائية، إذ اتسمت بصدق المعاني والإحساس، وعبرت الراحلة فيها عن إمكانية الصوت النسائي العراقي.
وتابعت الربيعي، في حديث لـ"العربي الجديد": "تجد الكبار في الأعراس التقليدية أو بعض الحفلات العائلية، يستمعون لأغاني إسكندر خاصة أغنيات (شايف خير)، (حرقت الروح) و(جينا من بغداد)، وغيرها الكثير من أغاني المطربة الراحلة، ولم يمنع اتّسام بعضها بالطابع الحزين، من الاستماع لها في الحفلات العائلية، وهذا ما يجعل حتى الأجيال الشابة تستمتع بأغاني المطربين القدامى ومنهم عفيفة إسكندر".
Facebook Post |
نشأتها وحياتها الفنية
ولدت الفنانة عفيفة إسكندر، في 10 كانون الأول/ ديسمبر من عام 1921، في مدينة الموصل شمال العراق، من أب عراقي مسيحي وأم يونانية، وعاشت في العاصمة بغداد،. غنّت في عمر الـ 5 سنوات وكانت أول حفلة أحيتها في عام 1935، ولقبت بـ"المونولجست" من قبل المجمّع العربي الموسيقي، لإجادتها ألوان الغناء والمقامات العراقية.
وشغلت إسكندر الأوساط الفنية والثقافية، حيث بدأت مشوارها الفني عام 1935 بالغناء في نوادي بغداد، وغنت في أرقى الأماكن في العاصمة، ودخلت الإذاعة العراقية عام 1937 لينتشر فنها في كل أذن وعلى كل لسان.
Facebook Post |
وذكرت إسكندر، أنّ والدتها كانت المشجع الأول وأنها كانت تخبرها دومًا أنّ "الغرور مقبرة الفنان"، وكانت والدتها ماريكا دمتري تعزف على 4 آلات موسيقية وتعمل مغنية في ملهى "هلال"، عندما كان يطلق عليه اسم "ماجستيك"، والذي أنشئ بعد احتلال بغداد في منطقة الميدان بباب المعظم.
وظهرت إسكندر لأول مرة على المسرح، في ملهى صغير بمدينة أربيل في أواسط الثلاثينيات، وكانوا يسمونها "جابركلي" أي "المسدس سريع الطلقات"، وأتت هذه التسمية من طبيعة الغناء الذي أدته، حيث كان غناءً سريعًا نتيجة لصغر سنها وعدم نضوج صوتها آنذاك، وكانت أول أغنية غنتها في أربيل بعنوان "زنوبة"، وهي بعمر 8 سنوات، وأطلقوا عليها ألقابًا عديدة مثل "شحرورة بغداد"، "فاتنة العراق".
رصيدها الغنائي
غنّت إسكندر أكثر من 1500 أغنية، وتعاملت مع الكثير من الملحنين منهم أحمد الخليل وخزعل مهدي وياسين الشيخلي، ومن الأغاني التي قدمتها "يا عاقد الحاجبين"، "يا سكري يا عسلي"، "أريد الله يبين حوبتي بيهم"، "غبت عني فما الخبر"، "جاني الحلو... لابس حلو صبحية العيد"، "نم وسادك صدري"، "حرقت الروح"، "جينا من بغداد"، وأغنية "خلهم يكولون"، وغيرها الكثير من الأغاني التي لاقت انتشارًا واسعًا.
إسكندر والساسة
اعتبرت المغنية الأولى بالعصر الملكي، وكان كبار المسؤولين في الدولة العراقية من ملوك وقادة ورؤساء ووزراء يطلبون ودها، ويطربون لصوتها ويحضرون حفلاتها، فالملك فيصل الأول كان من المعجبين بصوتها، أما نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك، فكان يحب المقام والجالغي البغدادي، وكان يحضر كل يوم إثنين إلى حفلات المقام ويسمع غناءها، وكذلك عبد الكريم قاسم، كان يحب غناءها ويحترمها، في حين حاربها عبد السلام عارف وضيّق عليها حسب وصفها، حيث أشارت إلى أنه كان يتهمها بدفن الشيوعيين في حديقة بيتها.
وكان كل قائد أو ملك يزور العراق يلتقي بها، وعلى رأسهم الملك فيصل الذي غنت له أغنية خاصة، وعلى الرغم من كل ذلك لم تغنّ للثورة العراقية، ولم يطلب قادتها منها ذلك، وإنما كانت تغني في عيد الجيش وغنت لفيصل الثاني، إلا أنها لم تغنّ أيضًا لصدام حسين، ولم يمنع هذا مصادرة أملاكها ومنزلها الذي تسكنه، بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فانتقلت للعيش في الأردن.
وفاتها
عانت الفنانة عفيفة إسكندر قبل وفاتها من المرض والفقر، حتى فارقت الحياة في 22 كتوبر/ تشرين الأول من عام 2012 عن عمر 91 عامًا، داخل مدينة الطب في بغداد، ودفنتها أم عيسى التي كانت تهتم برعايتها آنذاك، في المدافن الخاصة بعائلتها في مدينة بعقوبة في محافظة ديالى، لعدم وجود مقابر خاصة لعائلتها في العاصمة العراقية.
Facebook Post |