هل من الممكن مقاربة مسألة الهجرة، غير الشرعية خصوصاً، دون إبراز تعدّدها الحضاري، حيث تتقاطع مع هذه المأساة جغرافيات عدة، منها الفضاء العربي، من سورية إلى المغرب، وكذلك الأفارقة وبلدان من جنوب أميركا ووسط آسيا.
مقاربة الهجرة من هذه الزاوية المتعدّدة تبدو صعبة التجسيد في المسرح، نظراً لتعدد اللغات والسياقات الاجتماعية والسياسية والمذهبية، غير أن ذلك ما تقترحه مسرحية "شقف" لـ سيرين قنون ومجدي أبو مطر، والتي ستُعرض مساء اليوم في "معهد العالم العربي" في باريس.
ما جعل هذه الفكرة قابلة للتنفيذ هو أن المسرحي التونسي الراحل عز الدين قنون (1952 - 2015)، كان قد أطلق منذ 2001 "المركز العربي الأفريقي للتكوين والبحوث المسرحية"، حيث كان يعمل على تدريب ممثلين من جنسيات عربية وأفريقية مختلفة ومحاولة تقديمها في عروض مشتركة.
بين سنتي 2011 و2015، أصبح موضوع الهجرة قضية أساسية على جدول اهتمامات العالم مع تعدّد حوادث غرق القوارب الناقلة للمهاجرين من ضفاف جنوب المتوسط إلى شماله. كان معظم الضحايا من جنسيات عربية وأفريقية، وبدا الأمر لقنون وكأن بين يديه المادة المسرحية لعملٍ حول الهجرة عابر للثقافات، غير أن الفكرة وبعد أن تبلورت لم يمهل الموت صاحبها فبقيت في أدراج "مسرح الحمراء" إلى أن جسّدتها ابنته في عمل مع ممثلين شاركوا في "المركز العربي الأفريقي للتكوين والبحوث المسرحية"، وهم بحري رحالي وعبد المنعم شواط وريم حمروني وأسامة كشكار من تونس، وندى حمصي من سورية، وصوفيا موسى من لبنان، وغي إيسونوسيه ومريم دارا من بينين.
بدأت عروض المسرحية في نهاية 2016، وقد أُعلن وقتها أنها ستُعرض لمرات محدودة بسبب صعوبة تجميع الممثلين، غير أن المسرحية ونظراً لنجاحاتها، سواء في "مسرح الحمراء" في تونس العاصمة أو ضمن جولاتها العالمية، تبلغ اليوم سنتها الثالثة من العرض، وهاهي تصل إلى باريس، وهي بذلك تخاطب جمهوراً يتلقى أخبار مآسي الهجرة الشرعية من موقع غير ذلك الذي يتحدّث عنه الممثلون.