19 ابريل 2021
"شيشنة" سورية
لم يتوقف الروس والإيرانيون يوماً عن إعلام كل من تواصل معهم من السوريين بأنهم غير مهتمين بالأسد. كلما كان سياسي أو ناشط سوري يزور موسكو، كان يسمع تأكيداتٍ جازمةً بأنها لا تتمسك بالأسد، ولا تبني مواقفها من الصراع السوري على الرغبة في إنقاذه، فإن كانت لا تطرح موضوع مستقبله، فلأنها لم تجد في العالم من يقبل إيواءه أو استضافته، بعد مغادرته الحكم.
أضمر هذا الكلام الذي تكرّر في تصريحات معلنةٍ "قطبةً" خبيثةً، أوحت بأن روسيا تبحث عن ملجأ لرجلٍ فقد مكانه في وطنه، وأنها تخلت بدورها عنه. وإذا كانت لا تطرح موضوعه مع محاوريها، فليس لأنها متمسكة به، بل لأنه لم يعد محل اهتمام لديها. بذلك، كان العائدون من موسكو يؤكّدون أن الأسد صار من الماضي، وأن الروس تخلوا عنه، حتى إنهم ما عادوا يستحسنون فتح سيرته، ربما بسبب تطابق موقفهم، وإن بصور غير معلنة، مع موقف الأميركيين الذين يصرح رئيسهم، بالفم الملآن، أن ايام الأسد رئيساً صارت معدودة، وأنه راحل لا محالة، في وقت قريب. وإذن، الأسد انتهى وباعه الروس.
في الحقيقة، لم يمتنع الروس عن التطرّق إلى مصير الأسد لأنهم تخلوا حقا عنه، بل لأنهم أرسوا "أولوية استراتيجية"، ترجموها طوال سنوات الصراع، من خلال وقائع سياسية وعسكرية/ ميدانية عملت لصالحه، وجعلت منه "رجل القدر بالنسبة إلى روسيا" الذي يعني الدفاع عنه تثبيت نظام الاستبداد الذي أسهمت بدورٍ رائدٍ في بناء مؤسسته العسكرية/ الأمنية، وتقاسمت معه مواقف أيديولوجية، وأيدت قمعه. ويعني التخلي عنه، في المقابل، ضياع قرابة ثلاثة أرباع القرن من حضورها السياسي/ العسكري في موقع سورية الاستراتيجي والحاسم، وثبوت عجز الكرملين عن حماية نفسه وحلفائه من نتائج، لا شك في أنها ستكون جد خطيرة، سينتجها انتصار الثورة وطرد الأسد ونظامه من الحكم، فلا عجب أن يفصح الروس اليوم عن موقفهم من الأسد، بعد أن احتلوا سورية، وأقاموا فيها حضوراً عسكرياً يسمح لهم بمطالبة المعارضة بالموافقة على بقاء بشار الأسد في الرئاسة "بادرة حسن نية" منها.
هكذا إذن، وبعد قرابة ستة أعوام من النفي والإنكار، يطلب الروس من السوريين التخلي عن حقٍّ أعطتهم إياه وثيقة جنيف وقرارات دولية عديدة، وافقت موسكو عليها، هو ترحيل بشار الأسد عن الرئاسة، بحجة إبداء حسن نية تجاهه، كأنه كان خلال الأعوام الستة الماضية منكبّاً على خدمتهم والدفاع عن حريتهم، ولم ينصرف إلى قتل الملايين منهم وتعذيبهم وتشويههم وجرحهم، الى جانب تهجير اثني عشر مليونا آخرين وتشريدهم.
يؤكد هذا الطلب الروسي غير القابل للتصديق أن "شيشنة" سورية تحتم إيجاد "قديروف" سوري، وليس هناك أحد أفضل من الأسد يستطيع لعب دوره، بتجربته في الرقص على قبور بنات الشعب وأبنائه، بينما تمسك موسكو بالخيوط التي تبقيه على المسرح، بإدارة المخرج القدير فلاديمير بوتين وتوجيهاته، وهو الذي يحلو له أن يلعب هو نفسه دور كبير القتلة المحترفين على المسرح الدولي، تحت أضواء خبراء البيت الأبيض ووزارة خارجية واشنطن.
بطلبها قبول الأسد، بعد ساعات من قيام شراكة بينها وبين أميركا في الحرب ضد الإرهاب، يسقط بصورة نهائية حل جنيف السياسي، ويدخل الصراع في سورية وعليها مرحلةً تتخطاه، ستقرّر القوة وحدها نتائجه، بعيداً عن أي سلام دولي متوازن ومنصف، بعد أن تحوّلت الأرض السورية إلى مركز تتجمع فيه قوى متنوعة الجنسيات والأهداف، وأدرجت حقوق شعبها تحت حيثيّة الحرب ضد الإرهاب، حيثيّة الحرب التي تشن ضده، باعتباره المتهم الوحيد بممارسته.
أضمر هذا الكلام الذي تكرّر في تصريحات معلنةٍ "قطبةً" خبيثةً، أوحت بأن روسيا تبحث عن ملجأ لرجلٍ فقد مكانه في وطنه، وأنها تخلت بدورها عنه. وإذا كانت لا تطرح موضوعه مع محاوريها، فليس لأنها متمسكة به، بل لأنه لم يعد محل اهتمام لديها. بذلك، كان العائدون من موسكو يؤكّدون أن الأسد صار من الماضي، وأن الروس تخلوا عنه، حتى إنهم ما عادوا يستحسنون فتح سيرته، ربما بسبب تطابق موقفهم، وإن بصور غير معلنة، مع موقف الأميركيين الذين يصرح رئيسهم، بالفم الملآن، أن ايام الأسد رئيساً صارت معدودة، وأنه راحل لا محالة، في وقت قريب. وإذن، الأسد انتهى وباعه الروس.
في الحقيقة، لم يمتنع الروس عن التطرّق إلى مصير الأسد لأنهم تخلوا حقا عنه، بل لأنهم أرسوا "أولوية استراتيجية"، ترجموها طوال سنوات الصراع، من خلال وقائع سياسية وعسكرية/ ميدانية عملت لصالحه، وجعلت منه "رجل القدر بالنسبة إلى روسيا" الذي يعني الدفاع عنه تثبيت نظام الاستبداد الذي أسهمت بدورٍ رائدٍ في بناء مؤسسته العسكرية/ الأمنية، وتقاسمت معه مواقف أيديولوجية، وأيدت قمعه. ويعني التخلي عنه، في المقابل، ضياع قرابة ثلاثة أرباع القرن من حضورها السياسي/ العسكري في موقع سورية الاستراتيجي والحاسم، وثبوت عجز الكرملين عن حماية نفسه وحلفائه من نتائج، لا شك في أنها ستكون جد خطيرة، سينتجها انتصار الثورة وطرد الأسد ونظامه من الحكم، فلا عجب أن يفصح الروس اليوم عن موقفهم من الأسد، بعد أن احتلوا سورية، وأقاموا فيها حضوراً عسكرياً يسمح لهم بمطالبة المعارضة بالموافقة على بقاء بشار الأسد في الرئاسة "بادرة حسن نية" منها.
هكذا إذن، وبعد قرابة ستة أعوام من النفي والإنكار، يطلب الروس من السوريين التخلي عن حقٍّ أعطتهم إياه وثيقة جنيف وقرارات دولية عديدة، وافقت موسكو عليها، هو ترحيل بشار الأسد عن الرئاسة، بحجة إبداء حسن نية تجاهه، كأنه كان خلال الأعوام الستة الماضية منكبّاً على خدمتهم والدفاع عن حريتهم، ولم ينصرف إلى قتل الملايين منهم وتعذيبهم وتشويههم وجرحهم، الى جانب تهجير اثني عشر مليونا آخرين وتشريدهم.
يؤكد هذا الطلب الروسي غير القابل للتصديق أن "شيشنة" سورية تحتم إيجاد "قديروف" سوري، وليس هناك أحد أفضل من الأسد يستطيع لعب دوره، بتجربته في الرقص على قبور بنات الشعب وأبنائه، بينما تمسك موسكو بالخيوط التي تبقيه على المسرح، بإدارة المخرج القدير فلاديمير بوتين وتوجيهاته، وهو الذي يحلو له أن يلعب هو نفسه دور كبير القتلة المحترفين على المسرح الدولي، تحت أضواء خبراء البيت الأبيض ووزارة خارجية واشنطن.
بطلبها قبول الأسد، بعد ساعات من قيام شراكة بينها وبين أميركا في الحرب ضد الإرهاب، يسقط بصورة نهائية حل جنيف السياسي، ويدخل الصراع في سورية وعليها مرحلةً تتخطاه، ستقرّر القوة وحدها نتائجه، بعيداً عن أي سلام دولي متوازن ومنصف، بعد أن تحوّلت الأرض السورية إلى مركز تتجمع فيه قوى متنوعة الجنسيات والأهداف، وأدرجت حقوق شعبها تحت حيثيّة الحرب ضد الإرهاب، حيثيّة الحرب التي تشن ضده، باعتباره المتهم الوحيد بممارسته.