"صفقة القرن" بين المطرقة والسندان
رفضت القيادة الفلسطينية بدورها ما سمي بـ"صفقة القرن" لما تمثله هذه الخطة المسمومة بالسلام من خطر حقيقي على القضية الفلسطينية وضياعها إلى الأبد، ففكرة أن أقبل كفلسطينية ما يخاط لنا هو قبول واضح ببيع الأرض والقضية، التي دافعنا عنها بأرواحنا ودمائنا وحريتنا، يعني ذلك أننا بعنا دم شهدائنا وحرية أسرانا بثمن بخس، يعني أننا قبلنا بالتشرد في دول الآخرين وسنعتبر مواطنين من الدرجات الدنيا، وينظر إلينا كما نظروا سابقا لعواد الذي باع أرضه وظلوا يهللون له ليل نهار إلى أن مات وبقيت قصته عبرة لمن اتعظ.
كل الدول الشقيقة التي وافقت على "صفقة القرن"، كما أمرتها "ماما أميركا"، هي فقط لتمرر بلادها إلى السلام المسموم بالتطبيع مع المحتل الصهيوني، من خلال مبرر واحد هو حفظ الأمن والأمان لشعوبهم قاذفين بالفلسطينيين إلى محرقة التاريخ، وإلى أفواه جهلة الإعلام المطبع والمسوق للإساءة الدائمة للشعب الفلسطيني.
لم يتحدث أحد عن أمن واستقرار الفلسطينيين وحريتهم التي ظلوا يحلمون بها ما يقارب 103 أعوام منذ وعد بلفور المشؤوم الذي أعطى الأرض لمن لا يستحق، واستمرينا طوال هذه السنوات ننادي بالأرض، ننادي بفلسطين، إلى أن جاءت نكسة 67 وأصبحنا من حينها ننادي إلى الآن بدولة على حدودها لإقامة دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، نعم القدس كاملة لا شرقية ولا غربية، هذا ما يرضينا نحن شعب فلسطين.
فإذا ما تطرقنا للمواقف الدولية من "صفقة القرن"، بداية من مملكة البحرين وسلطنة عمان والإمارات التي حضر سفراؤها إعلان الصفقة من دون أن يقرؤوا بنودها، فأميركا أمرت بالحضور وكان يجب الانصياع للأوامر، وعند سماع المفأجاة خرجوا وقالوا إنهم لم يكونوا على علم بمضمون الخطة لأنهم لم يطلعوا عليها!!! وهذا ما يثير العجب العجاب من هذه الدويلات وعلى موقفهم المطبع وتناقض مواقفهم من الصفقة.
نأتي للدول التي رأت في الموقف الفلسطيني موقفا سلبيا، واتهمتنا حينها بالتسرع واعتبرت أن علينا أن نمهل الطرف الآخر وقتا ليطرح فكرته، ويجب علينا قراءة الصفقة المسمومة أولا قبل الإعلان عن رفضها 181 صفحة مَن مِن هؤلاء قرأها ليقنعنا بالقراءة، وانصاعت القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" وبعد ذلك اختصرت الصفقة من قبل "أبو مازن" ومستشاريه إلى 20 صفحة فقط تناولت أهم ما جاء في الصفقة:
1- القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.
2- الاعتراف بالمستوطنات في الضفة الغربية.
3- موافقة إسرائيلية لتجميد البناء في المستوطنات لأربع سنوات، مع بدء المفاوضات بشأن دولة فلسطينية.
4- وحدة أراض جغرافية للدولة الفلسطينية وإقامة سفارة أميركية فيها.
5- تواصل جغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية.
6- إقامة دولة فلسطينية بعاصمة في القدس الشرقية.
7- المحافظة على الوضع الراهن في ما يتعلق بالبلدة القديمة في القدس.
8- "القدس الإسرائيلية" سيتم فصلها بجدار، والضواحي خلف الجدار ستكون تحت سيادة فلسطينية.
9- 40% من الضفة الغربية فلسطينية.
10- 30% من الضفة الغربية (غور الأردن وكل المستوطنات والطرقات التي تؤدي إلى هذه المستوطنات) هي تحت سيادة إسرائيلية.
11- رصد 50 مليار دولار للدولة الفلسطينية المقبلة.
12- عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الدولة الفلسطينية فقط، مع تخصيص صندوق تعويضات.
وخرجنا وأكدنا الرفض مرة أخرى، ولكن هؤلاء لم يتركونا بحالنا بل يريدون منا التوقيع والبيع، أو الاتهام بأننا نريد عدم السلام، والمال الذي تتبرع به تلك الدول كدعم للشعب الفلسطيني ومواساة لنكبتهم.
ليخرج كبير مستشاري رئيس الولايات المتحدة الأميركية جاريد كوشنر، الحسيب النسيب، ليقول في أحد اللقاءات التلفزيونية إن اقتصاد الفلسطينيين أعلى من أي بلد عربي، وإنهم لا يريدون التوصل لحل حتى لا تنقطع التمويلات المالية التي تأتيهم، وأشار إلى أن "خريطة الأمعاء الغليظة والبنكرياس" التي وضعوها الأميركان والإسرائيليون ما هي إلا طرح، وإذا كانت هناك ملاحظات سوف نأخذ بها ونجلس لنتفاوض معهم (الفلسطينيين)، ولكنهم لا يريدون التفاوض.
ما فاجأني كمواطنة فلسطينية موقف دولة تونس التي تعتبر من الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، فاجأني سحب سفيرها في مجلس الأمن الدولي دعوته الطارئة لعقد جلسة استثنائية لمناقشة ورفض مشروع السلام الذي تقدم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نعم سحبت سفيرها ووبّخته وأقالته، بحجة عدم الرجوع إلى الحكومة التونسية ورئيسها، وبالطبع ما حدث خارج عن مثاليات تونس الشقيقة.
ومن الجهة الأخرى، قام رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم بإلقاء "صفقة القرن" بالقمامة وأعلن رفضه ورفض بلاده لها وعرض صفقة جديدة على الأميركان والإسرائيليين؛ قائلا: ما رأيكم أن تتركوا مقدساتنا مقابل حزم مالية أضعاف ما تعرضونه؟
فنحن نعلم جيدا الضغوط التي تعرضت لها الدول العربية والإسلامية الشقيقة، وتلويحات بغيضة من أميركا بسحب كل الامتيازات والتهديدات المباشرة التي تمس أمن تلك الدول.
فما كان من بعض الدول الشقيقة إلا أن استسلمت للقرار الأميركي وبدأت بالضغط على الرئيس أبو مازن للموافقة على تنفيذ "صفقة القرن" والاستسلام للقرارات الدولية وعدم العند أمامهم.
في المقابل، نلاحظ أن المواقف الدولية كانت تأخذ موقفا مضادا للصفقة، فقد أكدت الأمم المتحدة ضرورة تطبيق المرجعيات والقرارات الدولية للتوصل إلى حل دائم وشامل وعادل للقضية الفلسطينية، والاتحاد الأوروبي الذي أكد التزامه الثابت بحل الدولتين، كما انتقد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الخطة بقوله إنها تنتهك القانون الدولي، وأطلق جيف هالبر الناشط الإسرائيلي والمدير السابق للجنة المناهضة لهدم البيوت، على الخطة "أبارتهايد العصر". وأخيرا انتقد الخطة يوسي ميكليبرج أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ريجنت بلندن بقوله: "صفقة ترامب لن تنهي الصراع المستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل ستؤججه وستطيل أمده".
إن التاريخ شاهد على حقنا كشعب في الأرض وأننا أصل الأرض، ولكن ظل بعضهم يتشدق بأننا بعنا وقبضنا الثمن، وهم يعرفون جيدا كيف بيعت الأرض ومن الذي ساعد ببيعها، فلا عجب أيها السادة أن من ساعد على البيع سماسرة عرب استغلوا حاجة المواطن الفلسطيني وقتها واشتروا أرضه وباعوها بطرف الوساطة للصهاينة، إن ما بيع من الأرض لا يتعدى نصف واحد من المئة، وليس أكثر، ومن يزرع فيكم غير ذلك فهو كاذب.
إن "صفقة القرن" التي يتغنون بها الآن ما هي إلا مبايعة أخرى للأرض من العرب والمسلمين إلى المحتل الصهيوني، ونحن شعب فلسطين لن نفرط بذرة تراب من فلسطين أرضنا وأرض أجدادنا.
إن بعض الدول العربية تبدو وكأنها سئمت من القضية وتريد إنهاء الصراع بأي شكل حتى وإن كان على حساب شعب بأكمله، فلا يعني المسؤولين فيها إلا مناصبهم، وليس شعوبهم فهي آخر ما يهتمون به.
ولكن ستظل الراية مرفوعة، والمقاومة هي الحل الأوحد لتحرير الأرض من المحتل، وكما قالها الرئيس الراحل "ياسر عرفات" سيرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس شاء من شاء وأبى من أبى وإن التاريخ شاهد وسيلعن كل متخاذل..