ينفض الثمانيني الفلسطيني فايز زين الدين من حي الشجاعية شرق مدينة غزة الغبار عن علب الأعشاب الطبية داخل محله القديم وسط سوق الزاوية التراثي، لتحضير وصفة لشاب جاء يشكو من آلام التهاب الصدر.
الوصفة لم تستغرق سوى بضع دقائق في "الصيدلية الطبيعية" القديمة، التي احتوت على المئات من أصناف الأعشاب التي تستخدم في الوصفات العشبية للأمراض والآلام، التي يفضل أصحابها اللجوء إلى الطب العربي البديل، عن الطب الكيماوي، واللجوء إلى الصيدليات الطبية.
ويعتبر الطب البديل، ممارسة التطبيب، لا تندرج تحت مسمى الطب التقليدي، ولم تثبت رسمياً مدى فعاليته، لكن شريحة واسعة تعتمد عليه في الشفاء من الآلام، ويقوم في بعض الحالات على أسس تاريخية وثقافية ومعرفية، نابعة من العادات والتقاليد المجتمعية، تستند إلى عنصر التجربة، عِوَضاً عن الأساس العلمي.
في قطاع غزة، المُحاصر منذ عشرة أعوام، ويعاني من مختلف الأزمات، لجأ مواطنين إلى التداوي بالأعشاب الطبيعية، نظراً لعدم قدرتهم على شراء أصناف من الأدوية، إلى جانب غلاء بعضها، مقارنة بالأعشاب رخيصة الثمن.
حكاية الثمانيني أبو أسامة زين الدين مع العطارة والعلاج بالأعشاب الطبيعية بدأت منذ الصغر، عندما كان يساعد والده في محل العطارة بعد عودته من المدرسة في الخمسينيات، حتى اكتسب الخبرة الكافية في الوصفات الطبيعية، لعدد من الأمراض والأوجاع التي سادت آنذاك، وتدرجت مع تدرج الزمن حتى هذا اليوم.
ويقول لـ "العربي الجديد" أن والده ورث المهنة عن جده، وأنه عَلّمها لابنه إيهاب، الذي سيعلمها لأبنائه في المستقبل، موضحاً أنها مهنة تراثية، تحمل رسالة عظيمة في مداواة الآلام، والتخفيف من الأعباء التي يعاني منها أبناء قطاع غزة، بسبب الحالة الاقتصادية السيئة، والتي ازدادت سوءاً خلال السنوات الأخيرة بسبب اشتداد الحصار الإسرائيلي.
ويوضح أبو أسامة الذي قرأ عدداً من الكتب الخاصة بالأعشاب ومنها كتاب "أسرار الطب العربي"، وكتاب "صحتك وعلاج الأعشاب" و"الطب المُجَرَّب" أن الطب في السابق كان ضعيفاً، وبدأ التوجه إلى العلاج بالأعشاب منذ فترات طويلة، مبيناً أن الأمراض اختلفت وتطورت مع التطور الحاصل، وأن العلاج البديل، أو المُساعِد حقق الكثير من النجاحات في علاج حالات متنوعة من الأمراض.
أمراض كثيرة
المغص، التهابات الصدر، السُمنة، الضعف الجنسي، تساقط الشعر، الكسور، الإمساك، وأمراض الأطفال، هي أبرز الحالات المرضية التي تأتي طلباً للعلاج بالأعشاب، يقول أبو أسامة، موضحاً أن ما يميز العلاج بالأعشاب أنه غير مكلف ومستخلص من الطبيعة، ولا يحمل أي آثار جانبية سلبية.
أما في ما يتعلق بمصادر هذه الأعشاب، فيقول إنهم كانوا في السابق يحصلون عليها من الهند، باكستان، سورية، لبنان وبعض الدول عن طريق الأنفاق الحدودية بين مصر وغزة، ولكن بعد توقف الأنفاق لم يتمكنوا من إدخالها، مبيناً أن الحصار الإسرائيلي زاد التأثير عبر منع دخول أي منها إلى غزة، واقتصار دخول بعض الكميات عن طريق الغزيين الزائرين لمُدن الضفة الغربية.
ويتابع الحديث عن تأثير الحصار الإسرائيلي، والذي أصاب مختلف النواحي الاقتصادية في غزة، موضحاً أن لجوء الناس إلى التداوي بالأعشاب بسبب غلاء ثمن الأدوية في الصيدليات، لم يُحسن من أوضاع هذه المهنة القديمة، والتي تأثرت كذلك بسبب سوء الأحوال الاقتصادية.
ويقول أبو أسامة الذي عَشِق العطارة منذ بداية حياته أنه يفتخر بهذه المهنة المتوارثة، والتي تعتمد عليها شريحة كبيرة من المواطنين في التداوي، وأنه يشجع أبناءه على الحفاظ عليها، كواحدة من أهم المهن التراثية.
لكن أطباء وجهات رسمية يشيرون إلى أنّ العلاج بالطب البديل أو الأعشاب غير مجدٍ، وليس له قيمة حقيقية، وهو ما لا يقنع كثيرين من الراغبين في اعتماد هذا الطب بديلاً عن الطب الرسمي، والذين يدافعون عنه ويروجون له بين العامة.