وفي هذا السياق، يقول الباحث والأكاديمي الأفغاني عبد القادر غزنوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "مثل هذه الهجمات لها تأثير سلبي كبير ليس فقط على سير المحادثات بين واشنطن وطالبان وما نتوقعه من حوار أفغاني ــ أفغاني في القريب العاجل، بل أيضاً على الشعب الذي يتطلّع بفارغ الصبر لنتائج الحوار، علّه يخرجه من مستنقع الحرب"، مؤكداً أن "على طالبان وجميع أطراف الصراع أن تأخذ بالاعتبار مصالح الشعب".
ويتوقّع غزنوي أن يكون وراء التصعيد الحالي ثلاثة دوافع رئيسية؛ أولها "سعي طالبان لتقوية موقفها على طاولة الحوار الحالية، خصوصاً أنها مقبلة على الحوار الأفغاني، وهي تعمل كذلك على دفع أميركا لقبول مطالبها في ما يخصّ خروج القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان". الدافع الثاني، وفق المتحدّث نفسه، أنّ الحركة "تريد الدخول في حوار أفغاني وهي منتصرة في الميدان، وبالتالي هي لا تستطيع أن تترك الميدان بهذه البساطة، بل إنها الفرصة لتكثيف هجماتها على الأهداف الحكومية كي تثبت قوتها". أما الدافع الثالث، بحسب غزنوي، فهو "الانشقاقات الداخلية في صفوف طالبان"، موضحاً أنّ "هناك اختلافاً بين قيادات الحركة؛ بين رؤية القيادة السياسية، ورؤية القيادة الميدانية، وهذه الهوة ستتّسع وتظهر أكثر، إذا ما أبرمت الاتفاقية مع واشنطن".
ولا يستبعد الباحث الأفغاني أن يكون وراء الأحداث الأمنية في كابول والأقاليم، وجود عقبات على طاولة المفاوضات، وبالتالي لجوء الحركة إلى الميدان للضغط. وترجّح ذلك تصريحات المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة، سهيل شاهين، الذي رفض مجدداً الحوار مع الحكومة الأفغانية، وقال في تغريدة له أمس الاثنين على "تويتر": "إذا تمّ الإعلان عن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وبوجود شهود دوليين، حينها يمكن أن ينطلق الحوار الأفغاني ــ الأفغاني، ولكن لن نتفاوض مع الحكومة بصفتها حكومة". ويعني ذلك أنّ العقبة الأساسية ما تزال موجودة، خصوصاً أنّ خليل زاد قال في أحد الاجتماعات خلال زيارته الأخيرة إلى كابول، إنّ "طالبان لا بدّ أن تتفاوض مع الحكومة الأفغانية".
وكان المتحدث باسم الخارجية الأفغانية صبغة الله أحمدي، قال في تصريحات صحافية في كابول أوّل من أمس الأحد، إنه من المتوقّع أن يبدأ الحوار بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" خلال أسبوعين. وبالنظر إلى الوضع السائد ومواقف الأطراف المختلفة لا سيما كابول وواشنطن، لا يمكن إبعاد الحكومة عن المشهد، وبالتالي لا بدّ من أن تتفاوض "طالبان" معها ومع الأطراف المختلفة.
وفي هذا الإطار، يرى الصحافي الأفغاني محمد إسماعيل عندليب، أنّ رفض "طالبان" الحوار مع الحكومة "عقبة كبيرة ولا بدّ من تخطيها"، مستدركاً "لكن الدافع الأساسي وراء الهجمات الأخيرة، وهجوم كابول تحديداً، هو أن الحركة لن تترك السلاح ولن تتخلى عن الحرب، إلا في حالة الوصول إلى اتفاقية شاملة، لأنها تريد أن تحافظ على الورقة الأقوى في يديها وهي القوة الميدانية". ويضيف عندليب في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الرئيس الأفغاني أشرف غني نفسه قال الأسبوع الماضي أثناء زيارته باكستان، إنّ الجميع يحاورون طالبان لأنها تقاتل. وبالتالي الحرب والقتال هما البطاقة الأقوى بيد الحركة، ولن تتخلى عنها إلا في حالة الوصول إلى اتفاقية شاملة". ويتابع عندليب أنّ "طالبان تسعى في هذه الفترة، وهي فترة حساسة ومهمة، لشغل مقاتليها بالحرب، وإلا فهناك خشية من وقوع تصدعات داخلية كبيرة".
وبعيداً عن الدوافع، فإنّ للهجمات الأخيرة لـ"طالبان"، خصوصاً هجوم كابول، تأثيرات كبيرة. فعلى الرغم من أنّ الحركة قد تحصل على بعض المكاسب السياسية، خصوصاً في ما يتعلّق بطاولة الحوار، إلا أنّ هجمات كهذه تضرّ كثيراً بشعبية الحركة. إذ إنّ معظم ضحايا الهجوم الدموي الأخير هم من المدنيين، وكان من بينهم حوالي 50 جريحاً من مدرسة حكومية تقع بجوار موقع الهجوم. وهذا الأمر أشار إليه المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في بيان له أمس، قائلاً إنّ الهجوم خلّف ضحايا مدنيين لأن التفجير كان كبيراً، مؤكداً أنّ هدف "طالبان" لم يكن عامة المواطنين، بل مكتباً تابعاً لوزارة الدفاع.
في هذا الصدد، كتب الناشط والصحافي الأفغاني عارف الله ساحل، في منشور عبر صفحته على "فيسبوك"، إنّ "قتلة المدنيين يجب أن لا يعفى عنهم، حتى ولو أبرم الصلح بين طالبان وأميركا، ولا بد من معاقبتهم". بينما كتب الناشط صفي الله كجوري: "إنه أمر عجيب. يحاورون في الخارج ويقتلون في الداخل".
وعلى الرغم من تفاقم الوضع الأمني في كابول والأقاليم، وتكثيف "طالبان" هجماتها، تقول مصادر في الحركة مقرّبة من مكتب الدوحة، لـ"العربي الجديد"، إنّه يتوقّع انطلاق الحوار الأفغاني-الأفغاني في شهر يوليو/ تموز الحالي، في حال وصول "طالبان" إلى اتفاق مع الجانب الأميركي خلال جولة الحوار الحالية في الدوحة، والتي بدأت السبت الماضي. وتركّز الجولة الحالية من الحوار في الدوحة على أربع نقاط رئيسية هي: انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، عدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة أخرى، الحوار الأفغاني-الأفغاني، ووقف إطلاق نار شامل.
في المحصلة، فإنّ أفغانستان تمرّ في مرحلة حرجة، والشعب الأفغاني وقع بين مصالح الطرفين، الحكومة الأفغانية التي تسعى لأن تطرح نفسها وتظهر قوتها من خلال عمليات ليلية وهجمات مسلحة ضدّ الحركة، يقع مدنيون ضحاياها في بعض الأحيان، وحركة "طالبان" التي تسعى لتقوية موقفها على الطاولة، وبالتالي كثفت عملياتها في الأقاليم ونفذت هجوم كابول الدموي أمس، فيما يدفع الشعب الثمن الأكبر.