15 نوفمبر 2024
"غوروا" وأخواتها
خمس كلمات تلخص نظرة أسس (الدولة المدنية) التي تختلقها وتروج أوهامها عصابة الانقلاب في مصر. خمس كلمات رددها لسان الانقلاب وأبواقه الزاعقة الناعقة في وجه المصريين والعالم. خمس كلمات موجهة كالطلقات، أو القنابل، في وجه خمس جهات مكروهات مشيطنات متهمات مهددات بالحرب عليهن، باسم الإرهاب والتآمر وهدم الدولة والجيش والشرطة والوطنيين الحائزين على الرضا السامي.
(1)
موتوا .. هكذا يخاطب المستبدون القطاع الأكبر من الشعب، ليس بالكلمات، بل باللكمات والاعتقالات والاختطاف القسري والتنكيل والتعذيب. ليس بالقول، إنما بالقتل، بالتصفية المباشرة، بلا قانون، ولا قضاء، ولا تفكير في أثر ولا خطر. إنها نفسية التوحش التي تفترس وتستمتع بأشلاء ضحاياها ودمائهم وصرخاتهم، بلا أدنى رحمة ولا اكتراث. ألم يقل قائلهم: (الجيش أداة قتل ...). وقال كاهنه مفتي الدماء: (اقتلوهم ... اضرب في المليان). ألم يصرخ حارسه الوفي الهارب من الحبس تحت حمايته في بلطجة متبادلة ببجاحة وقحة: (أنا كمان عايز ألاقي بكرة في دم دلوقتي في دم.. دم اللي هو القصاص دم بالعشرات دم بالمئات. أنا باتكلم بجد، أيوة كل من قتل يقتل مش عايز حد يقبض لي على حد بطلوا حكاية القبض دية مش عايزها، مش عايز أشوفها، مش عايز أسمع عنها، أنا عايز جثث، جثث للإرهابيين القتلة؛ لأن دول ما ينفعش معاهم القانون. أبدا إحنا نعم دولة بتتعامل بالقانون صحيح، لكن، لأه في لحظة ما لا يصح أبداً إن أنا اتعامل مع العصابات الإرهابية كما تفعل كافة الدول....)؟
فالموت لهؤلاء الذين يرفضون، الموت لهؤلاء الذين يعبرون عن رفضهم، الموت لهؤلاء الذين يمتعضون أو يستاءون، الموت لهؤلاء الذين يتظاهرون، الموت لهؤلاء الذين يتأبون على الركوع تحت البيادة، الموت لهؤلاء الذين يطالبون بالحرية والكرامة والعدل والآدمية المحترمة. الموت لهؤلاء الذين يقولان: لا. لهؤلاء يقول المستبدون وعبيدهم: موتوا.. موتوا..
(2)
غوروا ... بهذا يخاطب المستبد عبيده، إذا ضجروا من سياساته، أو أفصحوا عن تألمهم من طعنات غدره بهم، يقول لهم: عاجبكم الجزمة ماشي، واللي مش عاجبه يمشي. فالبلد لها أصحاب اشتروها بغير ثمن، اغتصبوها بالسلاح، ونهبوها مساء صباح، واستباحوها فصارت الأرض والعرض والثروات والأجيال والعقول لهم كالكلأ المباح. اتركوا لهم البلد وغوروا، لأنهم لا يطيقون سماع المطالب، ولا يطيقون اعتراضاً، ومن اعترض انطرد، ولا تناقش ولا تجادل يا أخ.. هؤلاء الذين ناصروا التمرد، وأيدوا البلاك بلوك واستضافوهم في برامجهم، وشجعوا التظاهرات والاحتجاجات والفوضى والتعديات طالما ضد خصومهم. اليوم يتكلمون باسم الوطن والدولة والشعب الذي ما عاد إلا هم على قلتهم وذلتهم، يتكلمون باسم المستبد ويعاونهم بتهجمه وتجهمه في وجه الغلابة. وبعد أن تحنن وتفنن في مغازلتهم اليوم يقود حملة إزالتهم.
نعم غوروا، يا أيها الذين فوضوا يوماً وباعوا. يا أيها الذين يوما تنازلوا عن ضمائرهم ومبادئهم واصطفوا مع الغادرين. غوروا، واذهبوا في ستين داهية. ليس لأنكم تركتم صف المستعبدين، ولا لأنكم قررتم تصحيح الخطأ. لكن، لأنكم جعتم فطلبتم الطعام بعد التعب والكد، لأنكم عطشتم، فطلبتم الماء من وراء السد، لأنكم تعرّيتم فطلبتم السترة من الحر والبرد، لأنكم تجرأتم وخاطبتم المتأله بأنه مسؤول، وتسربتم من بين شفاهكم كلمات مثل: كشف حساب سنة. هل نجح؟ أين الوعود.؟ لهذا الإثم الجسيم، ولتلك الخطيئة الأبدية قرر الفرعون طردكم من أرضه وملكه. غوروا.
(3)
اتلموا... النظام لأحمد شفيق: لا عودة. لا سياسة. ولأعوانه: اتلموا، يا لها من كلمات تختصر ما آل إليه التحالف الآثم الغادر! يا لها من كلمة سيكتبها التاريخ بمداد من وحل، لما تحمله من بيان عن طباع الضباع اللئيمة، يا لها من كلمة طاعنة في ظهر من ظنوا الخيانة والغدر، يمكن أن يثمرا وفاء وصدقا ومحبة، لا عودة إلى شريك السوء، لأن الكعكعة لا تحتمل المشاركة، والأرض لا تحتمل سارقين. "دا احنا دافنينه سوا". (لا سياسة) وأي سياسة يمكن أن تكون، والغابة مليئة بالوحوش الغادرة التي تنام بعين مغمضة، وأخرى لا تطرف؟ وأي سياسة في قفص الثعابين والحيات والمؤامرات والحيل والتسريبات والاتصالات والتحركات والحركات.
اتلموا، وهي كلمة مصرية أصيلة، لا يقصد بها ما يردده قاموس العرب من معنى: تجمعوا ولم الشمل وما إليه، بل انقشعوا، ارجعوا عن مؤامراتكم، وما تسوله لكم أنفسكم. فلا بديل إلا القائم بأمر نفسه، الحاكم على الجميع بلا منافس. اتلموا وإلا فما قيل لمن قبلكم وفعل بهم فسيفعل بكم. وحتى لا يقال لكم موتوا أو غوروا "اتلموا".
(4)
اخرسوا.. إنه خطاب الطغاة للحقوقيين والمثقفين والمتكلمين والصادقين من الإعلاميين، وكل من تسول له نفسه أن يمارس حرية التعبير. هل سمعتم بوق الطاغية وهو يصرخ: (وانسوا بقة.. لا تقولي حقوق زفت، ولا حقوق قطران، ولا حقوق بني آدمين. ما لهومش أي لازمة ولا يلزموا بقرش صاغ. مش عايز أسمع صوتهم. كلهم يخرصوا، كلهم يخرصوا. هذا الحقوقي يتآمر، وهذا الحقوقي لديه أجنده، فما حدش يبص له. خلاص إنسو الكلام ده، خلونا مع بلدنا، مع شعبنا، مع ناسنا خلونا مع الناس دي اللي لازم نسندها ولازم نحميها ..) اخرسوا، لا يحب الرجل أن يسمع صوتكم، وإذا لم يحب أن يسمع صوتكم فلتخرسوا، ألا تعلمون أن الفضاء الصوتي صار له مالكون، وحدهم فيه يتصرفون، يأذن لمن ينطقون. غدا يقال لهم (اخسأوا فيها ولا تكلمون)، غدا يقال لهم: (هذا يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون).
(خد قراراتك وحضرتك مغمض والناس معاك، للي مش مع حضرتك مش مهم، طز فيهم، طز فيهم بمعنى الكلمة يعني لأن هايبقو إرهابيين...).
أيها المثقفون الحقيقيون. أيها الإعلاميون المخلصون. أيها الشباب الأحرار المحبون للتعبير عن المستقبل والأمل والألم والشجون. من اليوم فصاعداً، عليكم أن تتعلموا الدرس الجديد، درس "الخرس في بلاد الحرس".
حتى صدى الهمسات غشاه الوهن/ لا تنطقوا إن الجدار له أذن.
(5)
انحرقوا .. (ما تبصش على المجتمع الدولي. يتحرق المجتمع الدولي...)
أيها العالم من حولنا، ما عاد لكم في دولتنا المدنية قيمة. أيها المجتمع الدولي: انحرقوا، ولعوا، موتوا، غوروا، اخرسوا، اتلموا. لن نسمح لأمريكا، لن نهتم بإسرائيل، لن نزور ألمانيا ولا روسيا ولا الصين. لن نأخذ شيئا من أموال الخليج ولا حبة رز واحدة. لن نتحدث مع إفريقيا. نحن دولة مدنية مكتفية بالرجل الأعظم والطبيب العالمي الذي يعرفه خبراء المخابرات وكبار الفلاسفة. أيها المجتمع الدولي، كدة وكدة، تظاهر بأنك خصم لنا، وأننا نهاجمك، وأنك مع الحرية وعدم سفك الدماء. وتحمل شتائمنا. سنترك بعض النباح عليك (كده وكده).
ولكن الحقيقة أن الذين ينحرقون هم شباب مصر لا المجتمع الدولي. ينحرقون في رابعة والنهضة وسيارة الترحيلات. كما كانوا ينحرقون في عهد المخلوع في درنكة وقطر الصعيد وغيرهما. كما كانوا ينغرقون، وينسرقون، وينقتلون، وينحبسون. أعواماً مرّت عليهم كالقرون.
لقد أضحى كل شيء واضحا أوضح من شمس النهار. وبعد اليوم، ليس أمامك إلا أن تختار، في أي من هذه الفئات تقف وتصطف؛ مع الذين سيموتون، أم سيغورون، أم سيتلمون، أم سيخرسون، أم سينحرقون. هذه هي المشكلة:
أكون كريما حرًا أو لا أكون.