يحيل البناء الدرامي النص المقدم من قبل كاتبه إلى عالم متخيل يريد المخرج منه صناعة رؤية بصرية توازن الكلمة باللقطة. أما في الدراما السورية، فلا بد أن تقحم تفاصيل الصراع نفسها حتى في احتجاز النص وتغيير المخرج وفرض أجندة تنفيذ العمل زماناً ومكاناً.
وهذا ما حدث قبل عام ونصف العام مع نص مسلسل "فوضى" للكاتبين حسن سامي يوسف ونجيب نصير. بعد أن فرضت الشركة مدة زمنية محددة لتسليم الورق، قررت تأجيله ورفضت إعادة النص إلى كتابه، ما أدى إلى اعتذار المخرج الليث حجو عن إتمام بقية المشروع. بعدها بشهر، قررت الشركة تنفيذ المسلسل مع مخرج آخر هو سمير حسين، وأوكلت إليه مهمة اللحاق بالموسم الرمضاني قبل شهر من انطلاقه. إلا أن حسين تعثر في إنجاز المهمة، مما أدى إلى تأجيل العمل سنة كاملة، نتيجة غياب سوق توزيع سورية خارج رمضان.
كان لا بدّ للفوضى من مساحة بث، أوجدت نفسها قبيل أيام من رمضان لتعثر تسويق المسلسل مرة جديدة. فأنقذت قناة "الجديد" اللبنانية المسلسل، ودخل السباق الدرامي وسط حالة ترقب شديد من الوسط الفني السوري.
ومع انطلاق حلقات المسلسل، دخلت حالة المشاهدة رهانات عدة، الأول يتعلق بعودة نصوص الثنائي "يوسف-نصير" الذي قدم للدراما السورية أعمالاً ناجحة كـ"العار" و"الانتظار"، والثاني قائم على مقارنة الروح التي خرج بها العمل بعهدة سمير حسين، وماذا اختلف لو نفذ برؤية الليث حجو، وليس الثالث إلا ترقباً لزاوية طرح قضية النزوح من ريف دمشق نحو العاصمة.
تجري أحداث المسلسل في شارع بغداد داخل العاصمة دمشق على أطراف حي العباسيين، حيث يشكل مدخلاً للنازحين القادمين من الغوطة الشرقية. وتبدأ القصة من حدوث انفجار في منزل تضطر الناجية الوحيدة منه للنزوح نحو شارع بغداد، لتدخل القصة نطاقاً جديداً يعرّف الجمهور على شخصيات الحي المتنوعة بين سكان أصليين ونازحين وتداخل خطوط الحكايات مع بعضها.
أداء محترف تقدمهُ شخصيات عدة في العمل، وسط ضبابية لم تنقشع في الحلقات الأولى، فابتعدت كاميرا سمير حسين عن الإبحار بشكل واسع يمكّن المشاهد من التعرف على ملامح الحي موقع الأحداث الرئيسية، في حين تكرر مشهد التغريبة الفلسطينية في تهجير السوريين من أحيائهم على وقع أنغام قصيدة للشاعر الراحل محمود درويش.
أما على صعيد الخطوط الاجتماعية، فيطرح "فوضى" حالة الضياع في مفاهيم العلاقات داخل المجتمع السوري، كنتيجة للحرب ومخلفات عقود من الترهل في بناء السلم الاجتماعي والطبقات الاقتصادية، فالجميع مهدد تحت سلطة حيتان الحرب. بينما يبرز سقف عالٍ من الجرأة في طرح أفكار الجنس والحب والأمومة.
إلى أين تقود هذه الفوضى؟ يسأل مشاهد نفسه حين يبحث عن الإشباع فلا يجده قائماً في الحلقات الأولى، فإذا كان النص متيناً بيد كتاب كبار والأداء عالي المستوى من قبل ممثلين محترفين، فأين تكمن نقطة الخلل في تماسك بنية المسلسل وخروجه من نطاق قصة درامية مفترضة إلى أرشيف بصري لأحوال النازحين في الداخل، كتلك التي قدمها "غداً نلتقي" عن حالة السوريين النازحين في لبنان.
وجدير بالذكر أنَّ مسلسل "فوضى" يمثل رؤية النظام الأسدي تجاه الثورة الشعبية التي اندلعت ضدّه في عام 2011. ليس ذلك فحسب، بل تم استغلال المناطق التي دمّرت على يد النظام، كداريا مثلاً، لتحويلها إلى مواقع تصوير.
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات