شكّلت الموانئ السورية المطلّة على البحر الأبيض من أنطاكية حتى غزّة نقطة تبادل مهمّة خلال العصر المملوكي القادمين من البندقية والمدن الإيطالية وآسيا الوسطى وروسيا وأرمينيا، ما انعكس على العلاقات السياسية التي اتسمت بالاستقرار والتقارب بين هذه الدول التي ارتبطت بشبكة من المصالح المشتركة.
ساهمت هذه الأجواء في تحسّن الاقتصاد في حواضر عديدة، أهمّها حلب التي أصبحت مدينة رئيسية في تصدير صناعاتها إلى أوروبا، قبل أن تسوء الصلات بين العثمانيين وبين العديد من ممالك القارة العجوز وتخاص حروب كثيرة بين ضفتيْ المتوسط.
"فينيسيون في بلاد الشام: من القسطنطينية إلى حلب" عنوان المحاضرة التي يلقيها المؤرخ البريطاني فيليب مانسيل (1951)، المتخصّص في تاريخ فرنسا والإمبراطورية العثمانية، عند السادسة وخمس وأربعين دقيقة في "جمعية الآثار" في لندن، بتنظيم من "مؤسسة التراث المشرقي".
يركّز المحاضِر على الروابط السلمية التي جمعت تجار البندقية والرحّالة وجيرانهم العثمانيين (على مختلف انتماءاتهم الدينية) في القسطنطينية وحلب ومدن أخرى منذ بدايات القرن السادس عشر، حين لم يكن الطرفان في حالة حرب، وكانوا يتاجرون في ما بينهم، بحسب العديد من المؤلّفات التي وثّقت لتلك المرحلة، أو في رسومات الفنانين الأوربيين الذي أقاموا في شرق المتوسط، ومنهم فاوستو زونارو (الذي عاش في القسطنطينية بين عاميْ 1891 و1910، ووضع العديد من الرسومات لها.
يتطرّق صاحب كتاب "القسطنطينية: المدينة التي كانت مقصد العالم 1453-1924" إلى تعيين قناصل ووكلاء للبندقية في عدد من المدن السورية، والمصرية أيضاً، لتمثيل شؤون ومصالح المدينة هناك، وكانوا يقدّمون تقاريرهم التي تفصّل أحوال البلاد وأسواقها إلى حكومتهم التي منحت بالمقابل الامتيازات ذاتها للتجار العثمانيين المقيمين على أراضيها الذين شيّدوا مسجداً وحماماً تركياً فيها إضافة إلى مقرّ سكنهم.
كما يخصّص جانباً من محاضرته للرسومات التي تسجّل مواقف عديدة للتجار الفينيسيين داخل المدن الإسلامية، فتوضّح طبيعة علاقتهم مع سلطة الجمارك وغيرها من المؤسسات، ولاحقاً تضمّنت مشاهد من الحروب السبع التي تواجهتا فيها الدولة العثمانية وجمهورية البندقية في ألبانيا وقبرص وعدد من الجزر في بحر إيجه، كما تناولت مجتمعات عدد من الطوائف والجاليات الأجنبية في كلا الدولتين.